بقلم - محمود خليل
على مدار عشرة أيام بدأت يوم الاثنين 18 فبراير وانتهت أمس الأربعاء (28 فبراير) تواصَل احتفال المصريين بمولد السيدة نفيسة (رضى الله عنها وأرضاها). تلك السيدة التى تحتل مكانة روحية خاصة فى نفوس المصريين. يؤم مسجدها العامر كبار الساسة والفنانين، تماماً مثلما يقصده المواطنون البسطاء. هناك يتعادل الجميع فى محبة السيدة العظيمة. يحدد «ابن كثير» فى كتابه «البداية والنهاية» النسب الشريف للسيدة نفيسة قائلاً: «هى نفيسة بنت أبى محمد الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب القرشية الهاشمية». وُلدت السيدة نفيسة بالمدينة المنورة وعاشت حياة مريحة مسترخية بفضل منصب أبيها الذى كان نائباً للخليفة العباسى «المنصور» على المدينة، ولأن الحياة لا تدوم على وتيرة واحدة فقد انقلب الخليفة على نائبه، ليس ذلك وفقط، بل قرر سجنه ومصادرة أمواله أيضاً فانقلبت حياة السيدة نفيسة رأساً على عقب، لكن الأمور اختلفت كثيراً بعد وفاة المنصور وتولى المهدى، فأطلق سراح «الحسن» وأعاد إليه أمواله المصادرة.
كانت مصر المحطة التالية فى حياة السيدة نفيسة، حين قررت السفر إليها والإقامة بها. يقول «ابن كثير»: «دخلت نفيسة الديار المصرية مع زوجها المؤتمن إسحاق بن جعفر فأقامت بها، وكانت ذات مال فأحسنت إلى الناس والجذمى والزمنى والمرضى وعموم الناس، وكانت عابدة زاهدة كثيرة الخير». شاء الله تعالى أن تكون مصر ملاذاً لأهل بيت النبى بعد أى محنة تمر بهم. فبعد محنة كربلاء سارت سيدات أهل البيت إلى مصر، وهو ما فعلته السيدة نفيسة أيضاً بعد محنة سجن أبيها ثم الإفراج عنه. وقد بينت لك أن «المهدى» لم يفرج عن الحسن فقط، بل فك الحظر على أمواله فعادت إليه. وواضح أن السيدة نفيسة انتقلت بهذه الثروة إلى مصر، فأحسنت إلى الناس، وكانت تركز رضى الله عنها بصورة خاصة على مرضى الجذام والمرضى بأمراض مزمنة بالإضافة إلى عموم الناس، فأحبها المصريون، كما تعودوا دائماً على محبة من يرفق بهم ويحنو عليهم. لم تكن السيدة نفيسة مجرد شخصية خيّرة تجود على المحتاجين والمتعبين فتمسح جراحاتهم، بل كانت أيضاًَ عابدة متبتلة زاهدة، وكانت من أعلم أهل الأرض بأمور الدين، لذلك لُقبت بـ«نفيسة العلم». تواصل عطاء السيدة الحنون حتى اختارها الله إلى جواره، وشاء زوجها أن ينقلها إلى المدينة ليدفنها هناك، لكن أهل مصر أبوا عليه ذلك. يقول «ابن كثير»: «ولما توفيت نفيسة عزم زوجها إسحاق بن جعفر أن ينقلها إلى المدينة النبوية فمنعه أهل مصر من ذلك وسألوه أن يدفنها عندهم فدفنت فى المنزل الذى كانت تسكنه بمحلة كانت تعرف قديماً بدرب السباع. وكانت وفاتها فى شهر رمضان».
لم يفهم كثيرون ما مثلته وتمثله السيدة نفيسة للمصريين، وأن تركيبتها الشخصية كانت السبب المباشر فى تعلقهم بها (قبل وبعد وفاتها). فالشخصيات التى يتكامل فيها ضلع الجود والسخاء، مع ضلع العلم والتعلم، مع ضلع العبادة والزهادة، تترك أثراً بالغاً فى نفوس المصريين، لأنهم أبناء حضارة. عاشت «نفيسة العلم» بين المصريين فأدفأت حياتهم بحنانها، وأنارتها بعلمها، وطهرتها بتقواها، فارتبط الناس بها برباط وثيق، لم تزل حبائله ممتدة حتى يومنا هذا. فقلوب كثير من المصريين ما زالت معلقة بمشهدها المعروف بحى السيدة نفيسة (رضى الله عنها وأرضاها).
نقلا عن الوطن القاهريه