لا يوجد فى السياسة عداوات دائمة أو صداقات دائمة.. يوجد فقط مصالح دائمة.
ثمة اتفاق على هذه القاعدة التى قرأ الكثيرون فى ضوئها تحركات بعض الدول العربية للتصالح أو التوافق مع دول أخرى سبق وعادتها أو خاصمتها على مدار السنوات الماضية.
قمة العلا التى عُقدت فى المملكة العربية السعودية أوائل العام الحالى أعادت العلاقات بين الدوحة والعواصم العربية الأربع التى سبق وقاطعتها.
طيلة سنوات المقاطعة كانت الملاسنات بين أطراف الخصومة على أشدها، وبعدها وجدنا لغة أخرى فى الخطاب وفى حديث الأطراف عن بعضها البعض.
الأمر نفسه ينطبق على تركيا التى تتردد إشارات من هنا وهناك على أن بعض الدول العربية التى خاصمتها عبر السنوات الماضية توشك على إعادة هيكلة علاقتها بها.
أداء العرب على هذا المستوى يقول إنهم يعانون من مشكلتين أساسيتين: أولاهما «التفكير الحنجورى»، وثانيتهما «اللعب على المصالح المؤقتة».
العرب يفكرون بحناجرهم أكثر من أى شىء آخر.. وقت الخصومة تنطلق الحناجر باللعن والاتهام دون أى توازن.. وفى حالة الوفاق تنطلق قصائد الإطراء ومواويل المديح بلا توقف.
منطق «العلاقات المتأرجحة» هو الذى يحكم علاقة الدول العربية ببعضها البعض وكذلك علاقتها بغيرها.
قد يبدو ذلك طبيعياً فى ظل مبدأ تأرجح العداوات والصداقات، لكن هل نستطيع أن نقول إن الالتقاء أو التوافق على مصالح معينة هو الذى يؤدى إلى خروج الخصوم العرب من دائرة العداوة إلى دائرة الصداقة وتصفية الأجواء؟.
التجربة تقول إن دولتين مثل قطر وتركيا كان لهما العديد من الاستثمارات التى تواصلت بل وزادت فى بعض الأحوال داخل عدد من الدول العربية التى كانت تقاطعهما وتعيش فترات خصومة معهما.
المصالح عادة ما تتواصل وتتدفق من تحت لتحت، بعيداً عما يطفر على السطح من ملاسنات فى حال الخصام، أو مواويل إطراء فى حال الوفاق.
العديد من الدول العربية التى طبّعت علاقاتها مؤخراً مع إسرائيل كانت تربطها مصالح تحتية بالدولة العبرية منذ عدة سنوات، أما على السطح، فكان الخطاب المتبادل مكللاً بالعداء ويعبّر عن حالة خلاف.
يفكر العربى فى المصلحة بمنطق التجار. المنطق الذى يقول «اللى تغلب به العب به».. لذلك فالبحث عن المصالح هو فى الأغلب بحث مؤقت.. فكل ما فى حياتنا العربية هو مؤقت بلحظة المكسب أو الخسارة.. العداوات مؤقتة.. والصداقات مؤقتة.. بل والمصالح نفسها مؤقتة. لا يكترث العربى كثيراً بفكرة «المصالح الاستراتيجية» التى تتميز بالامتداد، فهو يتحرك بضغط اللحظة وتبعاً لمتطلباتها ولا يعتنى كثيراً بالتخطيط للمستقبل أو يفكر بمنطق «اللى ما تحتاجش وشه النهارده بكره تحتاج قفاه» كما نردد فى مصر. بإمكانك على سبيل المثال أن تراجع علاقة بعض الدول العربية بأفريقيا، وسوف تجد أنها محكومة بمنطق «المصلحة المؤقتة»، وبعيدة كل البعد عن بناء علاقات استراتيجية ممتدة ترتكز على مصالح مشتركة حقيقية. والمشكلة أننا ندفع ثمن ذلك غالياً فيما بعد.
إذا وجدت دولة عربية فى حالة عداء وخصام مع غيرها فاعلم أنه الوضع المؤقت.. وإذا وجدتها عكس ذلك فتوقع ألا يدوم الوفاق بينها وبين غيرها إلا لفترة من الوقت.. وإذا وجدتها تتحدث عن مصالح فتأكد من أنها «مصالح لحظوية» ما أسهل أن تذروها أى رياح.