بقلم: د. محمود خليل
بدأت تداعيات عملية القرصنة الإلكترونية على عدد من المؤسسات الأمريكية شديدة الحساسية فى الظهور.
بعد الإعلان عن الهجوم بساعات توقفت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» عن تقديم الإحاطات المعتادة إلى فريق بايدن تمهيداً لعملية انتقال السلطة إلى الديمقراطيين يناير المقبل.
الخطوة أزعجت «بايدن» الذى سبق أن تعهد -عقب الهجوم الإلكترونى- باتخاذ إجراءات سريعة تجاه منفذى الهجمات السيبرانية ضد الحكومة الأمريكية بمجرد توليه منصبه الشهر المقبل. وأضاف أن فريقه سيجعل من الرد على عمليات الاختراق أولوية قصوى، وسيفرض «تكاليف كبيرة» على الأطراف المسئولة عن مثل هذه الهجمات.
وقعت أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 فى أجواء شبيهة، خلال فترة شد وجذب وشبه خناقة على نتائج الانتخابات الرئاسية بين جورج بوش الابن ومنافسه آل جور، وإن كان وضع آل جور مختلفاً كل الاختلاف عن «ترامب»، فقد استسلم الأول لمسألة فوز «بوش» بمجرد أن أكدت المحاكم الأمريكية ذلك، لكن «ترامب» ما زال يعاند ويكابر، وأيضاً يلاعب.
وإذا كانت أحداث سبتمبر 2001 قد كشفت عن ثغرات عديدة فى أجهزة الأمن والاستخبارات الأمريكية وأكدت وجود نوع من التضارب بين أدوار هذه الأجهزة أدى إلى خلق فجوات تمكن تنظيم القاعدة من التسرب من خلالها لينفذ أكبر هجوم خارجى يقع على الأرض الأمريكية، فإن عملية القرصنة الإلكترونية التى تم الكشف عنها منذ أيام تؤكد إمكانية اختراق الولايات المتحدة فى العالم الافتراضى كما تم اختراقها فى العالم الواقعى.
ثمة تصريحات تتردد على ألسنة المسئولين الأمريكيين -من بينهم بومبيو وزير الخارجية- تؤكد أن روسيا هى الدولة التى تقف خلف هذا الهجوم.
وهناك تلميحات تخرج على ألسنة مسئولين آخرين تشير إلى وجود أصابع صينية أيضاً وراء الهجوم، وأن أعضاء مستترين من الحزب الشيوعى الصينى لعبوا دوراً فى ذلك خلال فترات وُجدوا فيها داخل الولايات المتحدة.
وقد سبق أن وجهت أمريكا اتهامات عديدة إلى الصين بقرصنة المعلومات، كان آخرها اتهام بكين بقرصنة أبحاث لقاح كورونا الذى تطوره الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن اللافت أن الولايات المتحدة أعلنت أوائل شهر ديسمبر الجارى عن وضع قيود صارمة على دخول أعضاء الحزب الشيوعى الصينى إلى الولايات المتحدة، بحيث لا يُسمح لهم بدخول أمريكا إلا لمرة واحدة ولمدة لا تزيد على الشهر.
عملية القرصنة الإلكترونية التى وقعت على الولايات المتحدة الأمريكية تمثل حدثاً كبيراً، كان له ما قبله أيام إدارة ترامب، وسيكون له ما بعده عندما يتسلم «بايدن» الحكم رسمياً.
عملية التعتيم على المعلومات التى تقوم بها وزارة الدفاع الأمريكية تعنى ببساطة أن هناك ترتيبات معينة تقوم إدارة ترامب بها لتجهيز ملف أزمة كبرى قد تتفجر فى وجه «بايدن» منذ اللحظة الأولى التى سيدخل فيها البيت الأبيض.
الأيام القادمة قد تحمل مفاجآت كبرى فيما يتعلق بهذا الملف، والأشهر القادمة قد تحمل مفاجآت أكبر، فالهجمة الإلكترونية عرّت الولايات المتحدة ولابد لها من أن تبحث عن وسيلة لتستر بها نفسها.