توقيت القاهرة المحلي 21:51:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثعالب الطامعة

  مصر اليوم -

الثعالب الطامعة

بقلم : محمود خليل

أوجعت هزيمة العرب أمام الفرس فى موقعة «الجسر» عمر بن الخطاب وجعاً شديداً، وأمام ما سكنه من غضب جراء ما تمخضت عنه من نتائج قرر أن يقود بنفسه جيشاً لمواجهة الإيرانيين، ورحب من حوله من المسلمين بذلك ترحيباً كبيراً، باستثناء علي بن أبى طالب.

من رحب بالفكرة أخذ يردد لعمر أن جيشاً يكون على رأسه لا بد وأنه منصور، ولست أدرى هل عبروا بهذا الكلام عن إحساس بأن بركة النصر ستحل على المسلمين إذا قادهم عمر بفضل سابقته فى الإسلام وبلائه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم عبروا عن وجهة نظر تتعلق بالقدرات العسكرية الخاصة لعمر، أتصور أن التفسير الأول هو المرجح، لأنه لم يكن معلوماً عن عمر قيادة معارك عسكرية، سواء فى تجربته قبل الإسلام أو بعده.

وجهة نظر على بن أبى طالب -فى هذا الموقف- كانت أكثر اتزاناً، فقد حذر «عمر» من قيادة الجيش المحارب للفرس بنفسه، واقترح عليه أن يجعل من سعد بن أبى وقاص قائداً للجيش الزاحف إلى العراق.

نشبت معركة بين العرب والفرس بالقادسية تواصل فيها القتل والقتال لمدة 10 أيام، وانتهت بانتصار جيش سعد بن أبى وقاص. وقد ابتهج عمر بهذا النصر ابتهاجاً عظيماً.

وقد ربح المسلمون فى القادسية مغانم كثيرة، ونال مقاتلوهم مالاً وفيراً وأصابوا الكثير من الذهب والفضة.

ومن الأهمية بمكان أن نتأمل موقف الفرس من العرب، من خلال الحوارات التى دارت بين الطرفين والتشبيهات التى استخدمها رستم القائد العسكرى وكسرى فارس وهما يردان على رسل سعد بن أبى وقاص وهم يخيرونهم بين الإسلام أو الحرب قبل اندلاع المعركة.

يذكر «ابن كثير» أن رستم لما استمع إلى كلام المغيرة بن شعبة وهو يحدثهم عن مطالب المسلمين رد عليه واصفاً العرب بأنهم «كمثل الذباب رأى العسل فقال من يوصلنى إليه وله درهمان فلما سقط عليه غرق فيه، فجعل يطلب الخلاص فلا يجده، وجعل يقول من يخلصنى وله أربعة دراهم».

والوصف يحمل إشارة من جانب رستم إلى طمع العرب فى خيرات الفرس ومالهم وجنانهم وثرواتهم.

وفى فقرة أخرى وصف «رستم» العرب بـ«الثعالب الطامعة»، حين قال للمغيرة: «ومثلكم كمثل ثعلب ضعيف دخل جحراً فى كرم فلما رآه صاحب الكرم ضعيفاً رحمه فتركه، فلما سمن أفسد شيئاً كثيراً فجاء بجيشه واستعان عليه بغلمانه فذهب ليخرج فلم يستطع لسمنه فضربه حتى قتله. فهكذا تخرجون من بلادنا».

ويشير هذا الوصف إلى جانب آخر من نظرة الفرس إلى العرب، حيث كانوا يعتبرونهم مجموعة من الثعالب الذين يعاملهم الفرس بالحسنى والإشفاق بسبب جوعهم، فى إشارة إلى سماح بلاد فارس للعرب بالتجارة والإقامة فيها، وأن الثعالب لما كبرت وسمنت من خير فارس إذا بها تبادر إلى عض اليد التى أكرمتها.

أما كسرى فارس «يزدجرد» فقد وجد حلاً لطيفاً للموقف، إذ يروى «ابن كثير» أنه اقترح على المغيرة أن يعطيه كسوة له، وبالنسبة لسعد بن أبى وقاص يعطيه كسوة وألف دينار ومركوب، على أن ينصرفوا ولا يرى وجوههم بعد ذلك.

الواضح أن قيادات الفرس أساءت تقدير الموقف وعماها غرور الثروة وصلف التاريخ والحضارة عن تقدير قوة العرب وصبرهم على الجهاد والجلاد، ولم يستوعبوا التحول الذى أحدثه فيهم النبى صلى الله عليه وسلم، لذا فقد تعاملوا بنظرة تاريخية مع العرب، بعيدة كل البعد عن الواقع.

كانت إيران أقوى بمقاييس العدد والعدة من العرب، ما ولد لديهم فائض إحساس بالقوة والثقة والغرور والصلف، مثل سراً من أسرار هزيمتهم أمام جيش عربى لا يملك ما يملكون من أدوات، لكنه أكثر تواضعاً، ويرتكز على قناعة عقائدية جعلته أشد انضباطاً، فكان النصر حليفه.

قاتل العرب الفرس داخل المدائن حتى وصلوا إلى قصر يزدجرد، فاضطر إلى الفرار إلى مدينة «حلوان» فطاردته قوات سعد بن أبى وقاص، وانطلق العرب يحتلون المدينة بعد الأخرى من مدائن الفرس حتى تمكنوا فى النهاية من السيطرة على إيران بأكملها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثعالب الطامعة الثعالب الطامعة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 10:53 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يترأس اجتماع المجموعة الوزارية الاقتصادية

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النيابة العامة تُغلق ملف وفاة أحمد رفعت وتوضح أسباب الحادث

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الزمالك يتأهل لربع نهائي دوري مرتبط السلة علي حساب الزهور

GMT 10:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز اتجاهات الديكور التي ستكون رائجة في عام 2025

GMT 22:30 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

5 قواعد لإتيكيت الخطوبة

GMT 14:43 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

أحمد مالك وطه دسوقي يجتمعان في "ولاد الشمس" رمضان 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon