إن لم يكن هذ الوقت وقت «التعلم»، فمتى يكون؟
فى عدد من المدن والأحياء المصرية تبنت مجموعات من الأهالى مبادرات لتوفير أنابيب الأكسجين لمن يحتاج إليها ممن ابتلاهم الله بفيروس كورونا ويحتاجون إلى الوضع على «تنفس صناعى» داخل المنازل.
وفى مدن وأحياء أخرى ظهرت مبادرات لتوفير الأدوية التى يشتمل عليها بروتوكول علاج كورونا، وتوفير المساعدات للأسر التى تفشى الوباء بين أفرادها.
كذلك الأزمات دائماً ما تتيح المساحة لإظهار المعدن الأصيل لهذا الشعب. ولعل سمة «التكافل» واحدة من أروع السمات التى يمتاز بها المصريون، قد يخفت صوتها ويهدأ صداها فى لحظات، لكن أوقات الأزمة تجلّيها وتلمّعها وتجعلها ذهبية اللون والمعنى.
تلك هى الرحمة التى تخرج من قلب المحنة.. وذلك أهم درس يمكن أن نتعلمه من «محنة كورونا».
وجوهر الرحمة يتمثل فى تذكير البشر بأنهم شركاء فى التهديد وفى كونهم عرضة للخطر، وأن الأيدى المتشابكة أقدر على دفعه، وأن الحياة تسع الجميع، وأن التفكير الذاتى الذى تغذيه الأثرة والأنانية يصادر على أى فرص للنجاة. فأنت تمد يدك القادرة اليوم إلى من يحتاج، وغداً سيمد لك غيرك يده فى وقت يغلبك فيه الضعف والعجز.
جوهر الرحمة يتمثل فى تعلم أن ثمة نعماً كثيرة كنا نعيش بها ولا نحمد الله عليها، مثل نعمة القدرة على التنفس، أو الشم أو التذوق، وغيرها. هذه النعم جميعها كنا نتعايش معها كشىء معتاد دون أن ندرك قيمتها، ودون أن نحمد الله عليها.
البعض لا يرى النعم إلا فى حصد النجاح، أو تحقيق الأهداف، أو جنى المال، ولا يأبه بقيمة وأهمية النعم الأصلية الحقيقية التى تساعده على كل ذلك والمتمثلة فى القدرة على السير على قدمين، واستنشاق الهواء، وسلامة الجسد.
فضيلة الحمد التى غابت نسبياً فى حياتنا تعد جوهر الرحمة فى «محنة كورونا». وأصل حمد الله وشكره على النعم هو العطاء. فالحمد والشكر ليسا مجرد كلمات ينطق بها اللسان، بل إحساس يترجمه عمل وسلوك: «اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا».
مبادرات التكافل لتوفير أنابيب الأكسجين وأدوية كورونا وأشكال العون الأخرى لمن يحتاج إليها هى الترجمة الحقيقية لحمد الله تعالى وشكره.
شكر الله على النعمة عمل وسلوك.. كما أن جحود نعمة الله عمل وسلوك. ففى مقابل المبادرات الإنسانية الكريمة التى يتبناها البسطاء من المصريين ويتآزرون معاً فيها لمواجهة الوباء، تجد شخوصاً يخرجون من بيننا ويحاولون استغلال الأزمة والاستثمار فيها من خلال المبالغة فى أسعار بيع ما يحتاجه المريض لتخفيف أوجاع الإصابة، من أكسجين وأدوية وغيرهما.
أمثال هؤلاء لم يصل إليهم الدرس الأهم الذى يصح أن نتعلمه من المحنة، بسبب عمى الألوان الذى أصابهم وجعلهم عاجزين عن التفرقة بين النعم الحقيقية والنعم المزيفة.
الإنسان مطالب بأن يسعى ويكسب وينجح بشرط أن يفهم أن كل التحقيقات على هذا المستوى لا تزن شيئاً أمام نعمة إلهية واحدة مثل القدرة على التنفس: «وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فى السَّمَاءِ».
وضيق الأفق جزء من ضيق الصدر.