توقيت القاهرة المحلي 00:28:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الغرب.. ووجع القلب

  مصر اليوم -

الغرب ووجع القلب

بقلم : محمود خليل

كان «سيد قطب» شاباً من ضمن آلاف الشباب الذين وفدوا من صعيد مصر إلى القاهرة، يدفعه حلم بتحقيق نجاح يشبه نجاح العملاقين عباس محمود العقاد وطه حسين، حين بزغ نجمهما كأديبين بارعين وناقدين بارزين. امتلك «قطب» الموهبة التى تمكّنه من النجاح كناقد، لكنه لم ينجح كأديب. وكتاباته النقدية تشهد على براعته فى هذا المضمار، وقد كان أول ناقد عربى ينوه بموهبة نجيب محفوظ ويتنبّأ له بالحصول على جائزة نوبل.

تملّك سيد قطب منذ نعومة أظافره إحساساً بـ«التفرّد»، انخرط فى صالون العقاد، وكان واحداً من أبرز نجومه، وأبرع تلامذة العملاق الكبير قدرة على شرح أفكاره، لكنه لم يرَ نفسه أقل قيمة من «العقاد»، ولم يشك فى جدارته بأن يكون رائد مدرسة فكرية يصطف على بابها التلاميذ، ويجلس بداخلها حواريوه مُنصتين إلى ما يخرج على لسانه.

بدا سيد قطب متفرّداً فقط حين اتّجه إلى الكتابات الإسلامية، فقدم كتابه «العدالة الاجتماعية فى الإسلام» وكتاب «التصوير الفنى فى القرآن الكريم» و«مشاهد القيامة فى القرآن» وغيرها. وقد تزامن هذا التوجّه من جانب سيد قطب مع رحلته الشهيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

يردّد المصريون أن «الغرب لا تأتى منه أشياء تسر القلب». فموقفهم من الغرب ودوله جوهره تجربتهم المريرة مع الاستعمار. أوائل القرن التاسع عشر كان المصريون ينظرون إلى الغرب كأمل يحلمون بالوصول إلى ما وصل إليهم من علم وتطور وتنور. تمثل دور رفاعة الطهطاوى ومحمد عبده وغيرهما بالاجتهاد فى توطين إيجابيات الغرب داخل البيئة المصرية، لكن هذا الموقف اختلف بعد الاحتلال الإنجليزى عام 1882، إذ بات الغرب تحدياً وجندياً من جنود إبليس يريد استنزاف ثروات المصريين وتدمير ثقافتهم وهويتهم الخاصة.

شاءت الأقدار أن تأتى تجربة سيد قطب فى الاحتكاك بالغرب -فى نسخته الأمريكية- بعد أسابيع قليلة من نكبة 1948، والتى اعتبرها المصريون والعرب أكبر صفعة وجّهها الغرب لهم، والتى لعبت فيها الولايات المتحدة الأمريكية الدور الأهم بعد أن بادرت إلى الاعتراف بدولة إسرائيل بمجرد إعلانها، ومن ورائها الكثير من الدول الأوروبية.

يقول مؤلف كتاب «البروج المشيدة»: «بعد موافقة الرئيس الأمريكى ترومان على نقل 100 ألف لاجئ يهودى إلى فلسطين، كتب سيد قطب: كم ذا أكره الغربيين وأحتقرهم، كلهم جميعاً بلا استثناء، الإنجليز، والفرنسيين، والهولنديين، وأخيراً الأمريكان الذين كانوا موضع ثقة من الكثيرين».

وغالباً ما تؤدى الكراهية إلى الانغلاق والتفتيش فى عورات الآخر، وهو ما حدث مع سيد قطب. فانطلق قلمه يصف ما رآه من مثالب وسلبيات المجتمع الأمريكى، فتحدّث عن سيطرة الآلة على الحياة الأمريكية، والمادية الغالبة على كل شىء فى حياة الأمريكيين، والانهيار الأخلاقى الذى يعانون منه فى المراقص والملاهى، وتبلد الإحساس أمام فكرة الموت وغير ذلك.

عاد «سيد قطب» من الولايات المتحدة الأمريكية بغير الوجه الذى ذهب به، وفوجئ بأن يرى مصر على غير الوجه الذى تركه عليها، حيث تسللت القيم الأمريكية إلى الكثير من مناحى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية.

لحظتها قرر «قطب» أن يتحدى الجميع. الضعيف المهزوم الذى يحرّكه إحساس بالغبن تنطوى أجنحته على ذات مدمرة. وعندما تتحرّك هذه الذات نحو الآخر، فإنها تتحول إلى آلة دمار شامل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغرب ووجع القلب الغرب ووجع القلب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 08:47 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

ميسي وصيفا لـ محمد صلاح تسويقيا

GMT 16:55 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السويد تعتقل عراقيا اتهمته بالتجسس لصالح إيران

GMT 06:05 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

تعرّف على الفوائد الصحيّة لفيتامين "ك" ومصادره الطبيعية

GMT 05:39 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

حقيقة إصابة خالد الغندور بفيروس كورونا

GMT 07:44 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

سيفاس يفوز على دينيزليسبور بصعوبة في الدوري التركي

GMT 22:48 2018 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منى زكي تؤكد هشام نزيه موسيقار عبقري ويستحق التكريم

GMT 09:07 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

رجل يعتدي على فتاة بالضرب بسبب صفّ السيارات في تكساس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon