مسألة اللقطة كثيراً ما تشغل المصريين، وما أكثر ما تأسر الصور جلسات التصوير تفكيرهم وتملك عليهم أمرهم.
فجّرت مواقع التواصل الاجتماعى الشغف المصرى باللقطة وتداول الصور.. فهذه صورة للشخص وهو يتلقى التهنئة، وتلك صور فرحه، وهذه صور حضوره لمناسبة أو حدث، والأخرى له وهو يقوم، وتلك وهو يقعد، وتلك وهو سارح سرحان المفكرين والفلاسفة وغارق فى تأمل العالم.
خناقات عديدة وجدل مستعر ما أكثر ما يشتعل بين رواد التواصل الاجتماعى حول صور. لعل أخيرها أزمة صور فتاة سقارة التى ظهرت على جمهورها بعد صور الأزمة بصورها وهى ترتدى الحجاب، لتجد ماكينات الكلام والشير والهجوم والدفاع مادة تعمل عليها.
الحالة ليست جديدة، فثقافة اللقطة تعود إلى العصر المملوكى، والشغف بالفرجة لدى المصريين أقدم من ذلك بكثير.
بعد انتصار المماليك على حملة لويس التاسع فى معركة المنصورة أيام نجم الدين أيوب وشجرة الدر، ثم انتصارهم على التتار فى معركة عين جالوت أيام بيبرس البندقدارى عاش الشعب المصرى عقوداً طويلة من الزمن سكتت فيها الأطماع الخارجية عن التوجه نحو مصر.
أيامها صدأت سيوف الحرب المملوكية وتعطلت الحراب، ولم يعد لها من حضور سوى فى الاستعراضات التى دأب المماليك على تنظيمها فى ميدان الرميلة يستعرضون فيها ألعاب السيف والرمح، ويأتون من فوق خيولهم بحركات بهلوانية صعوداً وهبوطاً ووقوفاً ولفاً ودوراناً حول بطون وظهور الخيل.
تشهد كتب التاريخ على أن المماليك كانوا حاذقين فى الاستعراض والحركات، وكانوا يخلبون عقول مشاهديهم من أولاد البلد بمهاراتهم.
دخل أولاد البلد اللعبة وحاولوا هم الآخرون تقليد المماليك فى الإتيان باللقطات المبهرة والمدهشة التى كانت تتحول إلى مادة دسمة للأحاديث المسائية فيما بينهم، وكان الجدل يشتد حين يدافع أحدهم عن «حركة بهلوانية» يراها آخر «عادية» وليس فيها جديد.
شغف المماليك ومن ورائهم «أولاد البلد» باللقطات والحركات كان السبب الرئيسى فى هزيمتهم أمام العسكر التركى فى «مرج دابق»، ومن بعدها فى الريدانية.
حينها كان الترك يستخدمون البنادق والمدافع، بينما كان المماليك والأهالى يرون أن الحرب حركات وكر وفر وخيل وسيف ورمح.
أما شغف المصريين بالفرجة فهو أقدم من ذلك بكثير، وتستطيع القول بأنه يعود إلى العصر الفرعونى. وقد حكى القرآن الكريم احتشاد الناس يوم الزينة للفرجة على التحدى الكبير بين سحرة فرعون ونبى الله موسى عليه السلام.
الشغف بالفرجة هو الرافد الأكبر الذى يغذى مسألة الشغف باللقطة.
ومثلما تضجّر المصريون من غياب استعراضات المماليك وحُرموا من حركاتهم البهلوانية عقب سيطرة العثمانيين على أرضهم، فإنهم يشعرون بالضيق حتى اللحظة عندما يغيب الاستعراض وتختفى اللقطة من حياتهم.
حتى يوم الناس هذا ما زال المصريون يقدّرون الألعاب المعتمدة على اللقطة، فيولعون باللاعب الحريف القادر على المراوغة وترقيص طوب الأرض حتى ولو كان فاشلاً فى إحراز الأهداف، ولا يلتفتون كثيراً إلى اللاعب المنتج الذى يتحرك بخطط واعية للوصول إلى الهدف.
فالشغف باللقطة يفوق ما عداه.. ظروفنا كده!.