دونالد ترامب يقول إن نتائج الانتخابات لم تعلَن رسمياً بعد، وإن انعقاد المجمع الانتخابى وإعلان الفائز هو الأساس وليس وسائل الإعلام، ويردد أن القضاء لم يحسم بعد الاتهامات التى وجهها الجمهوريون إلى العملية الانتخابية، وفوق ذلك يصر على أنه فاز فى الانتخابات، ويؤكد وزير خارجيته «بومبيو» أنه لا يوجد أى مشكلة فى الولايات المتحدة، وأن السلطة سوف تنتقل بشكل سلس إلى الرئيس «ترامب» لولاية ثانية.
فى المقابل، يؤكد «بايدن» أنه الرئيس المقبل للولايات المتحدة، وأن العرف جرى على أن يتعاون الرئيس الخاسر مع فريق الرئيس الجديد لنقل السلطة بشكل سلس وطبيعى، وأن العرف فى الانتخابات الأمريكية أن تعلن وسائل الإعلام نتائجها، وبعدها مباشرة تبدأ إجراءات نقل السلطة، والعرف أيضاً يقول إن الرئيس الخاسر لا يحق له اتخاذ قرارات كبرى تتعلق بإقالات وتعيينات لمسئولين فى مواقع حساسة.
«ترامب» يتمسك بالقانون.. و«بايدن» يتمسك بالعرف.. وسوف تظل الأمور عالقة على هذا النحو حتى 14 ديسمبر حين ينعقد المجمع الانتخابى ويعلن رسمياً اسم الفائز فى الانتخابات.
ولكن هل يمكن أن يقبل «ترامب» النتيجة إذا كانت لغير صالحه ويُسلم السلطة إلى بايدن والديمقراطيين؟
العقل والمنطق يقولان إنه سيفعل. فليس فى مقدور شخص أو حزب أن يواجه مؤسسات دولة، حسم قضاؤها المنازعات الانتخابية، وأقر مجمعها الانتخابى بفوز اسم معين بكرسى الرئاسة.
«ترامب» يحاول حالياً إحداث نوع من اللخبطة والارتباك فى مؤسسات الدولة الأمريكية من خلال إقالات وتعيينات لمسئولين رفيعى المستوى، ويسرب عبر أدواته الإعلامية أن بإمكانه اتخاذ قرارات خطيرة لتفجير المشهد برمته، من بينها الهجوم العسكرى على إحدى الدول، البعض حددها فى إيران. وليس هناك خلاف على أن الحرب سوف تُربك المشهد أكثر.
حتى هذه اللحظة يعتمد «ترامب» على خطة ترتكز على فكرة «إرباك الدولة» للتهرب من استحقاق تسليم السلطة، لكن ظنى أنه سوف يدرك بعد حين أن هذه الخطة لن تُجدى، لأن الدول أصلب من أى فرد أو جماعة أو حزب، مهما كانت قوته.
الشىء الذى يمكن القلق منه حقيقة هو أن ينتقل «ترامب» إلى خطة إرباك «من خارج مؤسسات الدولة»، سواء توجه هذا الإرباك إلى الداخل أو الخارج.
فى الداخل الأمريكى يمتلك «ترامب» سيطرة كاملة على الحزب الجمهورى، ووراءه كتلة تصويتية ضخمة تزيد على 71 مليوناً، وتعمل فى خدمته عشرات الجماعات اليمينية المتطرفة التى تملك السلاح وتملك مهارة استخدامه. ورصاصة واحدة فى مثل هذه المواقف تكفى جداً لإشعال المشهد برمته.
هذا السيناريو شديد الخطورة على مستقبل الولايات المتحدة، ولا يقل عنه خطورة أيضاً سيناريو الإرباك الخارجى بشن حرب أمريكية على إيران أو غيرها. فكيف ستبرر الولايات المتحدة ودول العالم المختلفة حرباً يشنها رئيس خاسر دون سبب موضوعى، بل لمجرد الاحتفاظ بالكرسى لأطول فرصة ممكنة؟
أمام «ترامب» طريق ثالث يتمثل فى إعداد العدة لخوض انتخابات 2024 والفوز بها، وهو يمتلك الأدوات التى تمكنه من ذلك، وبإمكانه خلال السنوات الأربع المقبلة أن يزعج «بايدن» والديمقراطيين كثيراً وألا يجعلهم يستريحون على مقاعدهم.
أظن أن المعركة الحالية فى الولايات المتحدة ستنتهى على هذا النحو. فإذا كان «ترامب» لا يدرك مخاطر أفكاره حول «إرباك الدولة»، فالكثير من أفراد ومؤسسات الدولة الأمريكية يدركون عواقبها الوخيمة.