اللعب فى الوقت الضائع.. عادتنا ولّا هنشتريها؟
فى عالم كرة القدم تجد فرقنا الكروية كسولة متراخية تضيع الفرصة تلو الأخرى طوال التسعين دقيقة.. وما إن يبدأ الوقت الضائع حتى تنطلق إلى اللعب بشكل محموم فى محاولة لإصابة الهدف.
ربما تمكنت إحدى الفرق من تحقيق الفوز فى آخر ثانية، لكن الأمر بحال غير مضمون، واحتماليات الفشل فى مثل هذه الأحوال تتساوى مع محاولات النجاح، بل قل إن الفشل هو الأرجح، لأن من عجز عن فعل شىء طوال 90 دقيقة أعجز عن تنفيذه فى بضع دقائق.
مشكلة اللعب فى الوقت الضائع أن صاحبه يؤدى بشكل يمتزج فيه الحماس بالإحباط. فالحماس مرده الرغبة فى تحقيق الهدف، وقد تحكم الصدفة الأمر وينجح الإنسان فى نيل مبتغاه، لكن فى الأحوال الغالبة لا يتمكن من ذلك، لأن النجاح فى تحقيق الأهداف أساسه التخطيط المتأنى والمدروس.
أما شعور من يعمل فى اللحظة الأخيرة بالإحباط فيبدو طبيعياً إذا أخذنا فى الاعتبار ما يسيطر على الإنسان من توتر نفسى إذا طلب منه أن يؤدى عملاً يستغرق أياماً أو شهوراً فى بضع ساعات.
عادة اللعب فى الوقت الضائع تنطبق على نواحٍ شتى من حياتنا. تجدها حاضرة لدى الصغار والكبار.. فالصغير يترك الأشهر الطويلة دون أن يفتح فيها كتاباً، ثم يلتصق بالأوراق التى سيمتحن فيها ليلة الامتحان.. والكبار يتركون الأيام الطويلة التى تسبق المواسم والأعياد ويتحرّكون بشكل محموم ليلة الرؤية.
لو أنك استرجعت حدث نكسة 1967 وقلّبت فى أوراق ومذكرات القريبين من مراكز صناعة القرار فى هذه الفترة، فسوف تجد أن السر فى الهزيمة كان أساسه اللعب فى الوقت الضائع، وما يمكن أن يقترن به من آفات.
صانع القرار ذلك الوقت بدأ فى التلويح بالحرب دون أن يُخطط لها، وحشد المصريين فى سيناء كان فى الوقت الضائع، فأتى مرتبكاً مضطرباً يدفعه الحماس أكثر مما يسيره التخطيط.
الرئيس عبدالناصر -رحمه الله- توقع توقيت انفجار الوضع واندلاع الحرب قبل ساعات من الهجوم الإسرائيلى، لكنه اعتقد فى ما قاله له الروس بأن يستوعب الضربة الأولى من إسرائيل، ثم يتحرك بعدها.
وكان تحرك مصر بعد الضربة التى وجّهتها الدولة العبرية لطائراتنا، وهى ترقد على الأرض، تحركاً فى الوقت الضائع، وجاء بعد فوات الأون.
حاول المصريون التحرّك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن الوقت كان قد فات وعدّى النهار.
كذلك اللعب فى الوقت الضائع يغلب عليه الحماس، والحماس يعنى غياب التخطيط، وغياب التخطيط يؤدى إلى الارتجال، والاعتماد على الاجتهادات الفردية، والافتقار إلى فضيلة العمل الجماعى.
قرارات كثيرة يمكن أن يتخذها الفرد أو الجماعة أو المؤسسة تصبح بلا جدوى، لأنها تُتخذ فى اللحظة الأخيرة.. جهود كثيرة يمكن أن تبذل، لكنها تبيت معدومة القيمة لأنها تحدث فى الوقت الضائع.
تجارب كثيرة تتكرر أمامنا.. ولكن من يتعلم الدرس؟