توقيت القاهرة المحلي 19:14:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تحالف الأمراء والفقهاء

  مصر اليوم -

تحالف الأمراء والفقهاء

بقلم : محمود خليل

بعد مرور 100 عام على وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، كانت جمهرة المسلمين متعطشة إلى المعرفة عن الجيل الرائد (جيل الصحابة) الذى حمل الإسلام على كتفيه. وما أكثر ما كانت تطرب عندما يختلط حكى «الرواة»، فيمزج بين أحاديث منسوبة إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، وقصص وأقوال مروية عن الصحابة، وأشعار قادرة على اجتذاب الأذن. وفى عصر الوليد بن عبدالملك انتعشت أدوار «الزهرى» وغيره من الرواة، وتكسّبوا الكثير من هذه الوظيفة. لم يكن «الزهرى» وغيره من الرواة أكثر من «حافظة» أو «ذاكرة معلومات» ولم يكن عالماً. تستطيع أن تستدل على ذلك مما ذكره «ابن كثير» فى «البداية والنهاية»، نقلاً عن سفيان بن عيينة، الذى وصفه بأنه من أوعية العلم، وأنه لم يكن عالماً، واحتج على ذلك بأنه يقول «حدّثنى فلان».

ومن المفيد أن نشير إلى أن «الزهرى» انتقل من مرحلة الرواية الشفاهية إلى «التدوين المكتوب» فى عهد الوليد بن عبدالملك. ويذكر «ابن كثير» فى البداية والنهاية ما يلى: «روى الإمام أحمد عن معمر قال كنا نرى أنا قد أكثرنا عن الزهرى حتى قتل الوليد، فإذا الدفاتر قد حُملت على الدواب من خزانته يقول من علم الزهرى». الواضح أن «الوليد» خشى أن يضيع ما فى ذاكرة راوية بحجم الزهرى بعد وفاته، فأراد أن يوثّق ما فى وعائه، ومن هنا بدأت رحلة تدوين أحاديث وأحداث الأجيال السابقة من المسلمين، بدءاً من جيل الصحابة حتى العصر الأموى. يقول «ابن كثير»: «روى الطبرانى عن إسحاق ابن إبراهيم، حدّثنا عبدالرزاق عن معمر، قال أخبرنى صالح بن كيسان، قال اجتمعت أنا والزهرى ونحن نطلب العلم فقلنا نحن نكتب السنن فكتبنا ما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم، ثم قال لى هلم فلنكتب ما جاء عن أصحابه فإنه سنة، فقلت إنه ليس بسنة فلا نكتب، قال فكتب ما جاء عنهم ولم أكتب فأنجح وضيعت». لقد كان «الزهرى» ينظر إلى أقوال الصحابة كسنن ينبغى العمل بها. ولا خلاف أن المزيد من الأقوال يستدعى المزيد من الجدل والاختلافات التى تجعل الأمة غارقة فى بحر من الروايات والورقيات التى تحمل حلم العودة إلى الواقع الطوباوى فى عصر الصحابة.

وعندما وصلت الخلافة إلى عمر بن عبدالعزيز تواصلت أدوار «الزهرى» وتوسّعت، وأصبح أغلب جهده موجّهاً إلى كتابة ما يحفظه عن السلف الصالح. فلم يكن الخليفة الجديد أقل وعياً من أسلافه من خلفاء بنى أمية بموهبة «الزهرى» فى الحديث وخطورة وظيفته، فكان يصفه، قائلاً: «ما رأيت أحداً أحسن سوقاً للحديث إذا حدّث من الزهرى»، وكان يوصى باتخاذه مرجعاً فى هذا السياق، ويقول: «عليكم بابن شهاب، فإنه ما بقى أحد أعلم بسنة ماضية منه»، كما يحكى «ابن كثير». بدأ «الزهرى» رحلة تدوين ما يحفظه من علم عن جيل السلف الصالح مكرهاً. ولا بد للمحلل أن يتأمل جيداً هذه العبارة التى ذكرها «ابن كثير» فى «البداية والنهاية»، نقلاً عن «الزهرى»، وفيها يقول: «كنا نكره كتابة العلم، حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء، فرأينا ألا نمنعه أحداً من المسلمين». هذه العبارة كاشفة للغاية فقد كان أمراء وخلفاء بنى أمية يُكرهون «الزهرى» وأمثاله من الرواة على كتابة ما تختزنه ذاكرتهم من أحاديث وقصص تمجّد السلف الصالح. ويذكر «ابن كثير» بصورة مباشرة لا تحتمل التأويل مسألة إكراه الخلفاء لـ«الزهرى» وأمثاله على كتابة وتدوين حكايات السلف، قائلاً: «وقال أبوالمليح كان هشام هو الذى أكره الزهرى على كتابة الحديث، فكان الناس يكتبون بعد ذلك». هكذا اجتهد الرواة فى العصر الأموى -طوعاً أو كرهاً- فى أداء وظيفة الحكى ونقل الأحاديث والأقوال، ثم أكرههم الخلفاء والأمراء على تدوين ما تختزنه ذاكراتهم، لتظل الوظيفة باقية عبر ألسنة جديدة تحفظ ما سطروه. وبمرور الوقت تحوّلت وظيفة «الرواية» و«الحكى والسماع» عن جيل السلف الصالح إلى أداة لإغراق الأمة فى حلم العودة إلى الماضى المثالى المجيد، لتأخذ السلفية الطريق إلى انطلاقتها الأولى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحالف الأمراء والفقهاء تحالف الأمراء والفقهاء



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

أنجلينا جولي تكشف عن شعورها تجاه عملها بعد رحيل والدتها

GMT 15:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:55 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

اتفاق رباعي علي خارطة طريق لإيصال الغاز إلي بيروت

GMT 06:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الشكشوكة التونسية

GMT 19:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل العثور على "سوبرمان هوليوود" ميتاً في صندوق

GMT 04:38 2019 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تعرفي على 9 موديلات مميزة لتزيّني بها كاحلكِ

GMT 22:22 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

مستوى رمضان صبحي يثير غضب لاسارتي في الأهلي

GMT 04:46 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

إليكِ أفكار سهلة التطبيق خاصة بديكورات المطابخ الحديثة

GMT 02:17 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

مناظر خلابة ورحلة استثنائية في جزر فينيسيا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon