بقلم : محمود خليل
أولى خطوط الطريقة التى قرر «مبارك» أن يسوس بها «الأدهمية» ظهرت بعد 3 أعوام من توليه السلطة، وبالتحديد فى انتخابات مجلس الشعب 1984. يوثق محمد حسنين هيكل -على لسان اللواء حسن أبوباشا وزير الداخلية حينذاك- أن مبارك رسم بنفسه خريطة العضوية داخل أول مجلس شعب منتخب خلال فترة حكمه، فقام فى البداية «أخصائيو تكييف القانون» باختراع نظام القائمة النسبية المشروطة، وأعطى الرئيس توجيهاته بأن تمنح نسبة محدودة من المقاعد للمعارضة لتجد لنفسها مساحة للتعبير داخل المجلس الموقر، وحدد قائمة من الأسماء التى قرر استبعادها من الترشح، سواء على مستوى الحزب الوطنى الحاكم أو على مستوى المعارضة، وألزم وزير الداخلية بالعمل بها. ومن المثير أنه كما قفز «عصمت» شقيق «السادات» إلى سطح الأحزاب عام 1982، قفز اسم «سامى» شقيق «مبارك» إلى المشهد العام عام 1984، حين قرر الترشح فى الانتخابات، وقوبل قراره برفض عنيف وشديد من جانب الرئيس، لكن الشقيق وكذلك الظروف عاندت «مبارك» وفاز «سامى» فى الانتخابات على قوائم حزب الوفد!. وتجد تفاصيل هذه الواقعة فى كتاب هيكل «من المنصة إلى الميدان».
ولأول مرة -بعد ثورة يوليو 1952- ظهرت جماعة الإخوان كجزء من المشهد الانتخابى، فقد سُمح لها بترشيح عدد من الأعضاء على قوائم حزب الوفد. وقد رحب الحزب الذى زرع شعار «الدين لله والوطن للجميع» فى الأدهمية بترشح أعضاء الإخوان فى صفوفه حتى يستغل شعبية الجماعة فى الحصول على نسبة الـ8% من الأصوات المطلوبة لتمرير القائمة إلى مجلس الشعب. وقد تم حل مجلس 1984 عام 1987 وأجريت انتخابات جديدة ترشح فيها أعضاء الإخوان على قائمة تحالف جمع بينهم وبين كل من حزب العمل والأحرار الاشتراكيين. ومَن كان يسير فى بعض شوارع القاهرة وعدد من المحافظات الأخرى -خلال ذلك العام- كان يرى زحام الصور التى تظهر فيها صور المرشحين الإخوان بذقونهم الكبيرة الكثة. كان المشهد جديداً بعد ثورة يوليو. ومن اللافت أيضاً أن ابن حسن البنا ترشح فى هذه الانتخابات عن دائرة السيدة زينب، واحتشدت حوائط الأبنية بالحى العريق بصور أحمد سيف الإسلام ومعه صورة أبيه حسن البنا، فشاهدت أجيال جديدة صورة أول مرشد لجماعة الإخوان وربما لم تكن قد شاهدتها من قبل. وبعد انتهاء الانتخابات ظهر الشيخ يوسف البدرى -بزيه ولحيته الشهيرة- وكان قد نجح عن دائرة المعادى وحلوان وهو يدعو أهل الأدهمية إلى مبايعة الرئيس على «الإمامة العظمى»!.
وخلال انتخابات 1987 سمح «مبارك» للإخوان بتنظيم مسيرات طافوا بها شوارع القاهرة والمحافظات، رفعوا فيها شعاراتهم التى ورثوها عن تجربتهم مع البنا والهضيبى ثم مع سيد قطب وعمر التلمسانى. وظهر إلى جوار الشعارات التقليدية شعار جديد، شعار «الإسلام هو الحل»، فلأول مرة تطرق الجماعة مسامع المصريين بهذه العبارة، بل وحولتها إلى نشيد ركيك كانوا يرددون فى كلماته: «الإسلام هو الحل.. ناس فى العز وناس فى الذل.. والخير ماله شح وقل.. شرع الله عز وجل.. الإسلام هو الحل». وعندما كان يطالب أحد الإخوان بترجمة الشعار إلى برنامج عمل يطرح تصورات لكيفية التعامل مع وحل مشكلات الأدهمية كانوا يقدمون مجموعة من العموميات التى لا تسمن ولا تغنى من جوع، لكن يبقى أن «مبارك» كان سعيداً بوجود الإخوان، والجماعة كانت سعيدة بإمامته العظمى للأدهمية!.