بقلم: د. محمود خليل
عدد كبير من المتظاهرين تجمّعوا أمام مجلس النواب اللبنانى يوم الجمعة الماضى للتنديد بتردِّى الأوضاع المعيشية وانهيار سعر الليرة أمام العملات الأجنبية وما أدى إليه من تضخم.
اللبنانيون ضحية الحكومات المتعاقبة التى وصلت بالبلاد إلى حافة الإفلاس، ضحية التشكيلات المتعاقبة لمجلس النواب الذى لم يحاسب الحكومات كما ينبغى أن يفعل، ضحية القوى السياسية التى ترجِّح ولاءها للخارج على ولاء الداخل، ضحية العديد من الدول المحيطة التى تضع أقدامها فى هذا القُطر خدمة لمصالحها الخاصة بعيداً عن الشعب اللبنانى.
وكما أن اللبنانيين ضحية فإن جانباً من المسئولية فيما وصلت إليه الأمور بالبلاد يقع على عاتقهم.. قد تسأل: وما ذنب الشعوب.. ولماذا تقع عليها مسئولية تردِّى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وهى مغلوبة على أمرها أمام الحكومات وفى مواجهة مؤسسات الدولة وغيرها من القوى التى تتحكم فى أمورها؟
سأقول لك إن السكوت على الفساد والتهاون فى الحقوق يمنح الفرصة لبعض الفاسدين من المسئولين ليواصلوا فسادهم، وبعض الطامعين لتحقيق أطماعهم، وبعض المخرِّبين لمواصلة تخريبهم.
سكوت الشعوب على الفساد جوهره تناغم قطاع من أبنائها معه، واستفادتهم منه، وتربحهم من خلاله.. كذلك شأن الفساد فى كل بلاد العالم. المسئول الكبير ينهب المال والمقدّرات، فيسكت عنه من يليه لأنه ينهب هو الآخر.. وهكذا تتواصل حلقات السلسلة حتى تصل إلى الصغار الذين يجدون فى الفساد وسيلة سهلة للحصول على المال بأقل مجهود.
مؤكد أن الرابحين من الفساد من بين أبناء الشعوب أقلية وأن الأغلبية الكبرى تعانى منه، لكن مشكلة الأغلبية هنا تتمثل فى السكوت على أشياء يجب مواجهتها.
تأخُّر المواجهة عادة ما يعقّد المشكلة أكثر وأكثر حتى تصل الأمور إلى ما هى عليه الآن ليس فى لبنان وحدها، بل فى لبنان وسوريا والعراق ودول عربية أخرى.
أما سكوت الشعوب عن الحقوق فيعنى تراخياً مقابلاً فى أداء الواجبات، فمن يؤدى واجبه على أكمل وجه لا بد أن يدافع بشراسة عن حقوقه.. كما أنه ليس من السهل عليه السكوت على فساد.
أكذوبة كبرى عاشت عليها ولم تزل العديد من الشعوب العربية تتمثل فى أن «السكوت يؤدى إلى الاستقرار».
هذه الأكذوبة تحتاج مراجعة وإعادة نظر.. السكوت فضيلة إلا أن يكون على خطأ.. وأمامنا المشهد اللبنانى ومشاهد شبيهة فى دول أخرى.. فطول السكوت على الفساد وهدر الحقوق أدى إلى تضعضع أحوال البلاد، ووضعها فى دائرة خطر مبين.. السكوت هنا أدى إلى إرباك الأحوال والوقوف على حافة الانهيار.
الشعوب ضحية نعم، لكنها أيضاً مسئولة.. وعليها أن تتعلم من تجاربها.. فتركُ الأخطاء الصغيرة حتى تستفحل يجعل من القطرة نهراً ومن الحبة قبة.
أهم ما يجب أن تتعلمه الشعوب العربية على وجه الخصوص من هذه المشاهد أن تآكُل المؤسسات المسئولة عن محاسبة الحكومات وتحليل أدائها وتوعية الناس بإيجابياته وسلبياته هو المقدمة الكبرى للمعاناة والتوجع.