بقلم: د. محمود خليل
موقف عجيب تعيشه دول العالم هذه الأيام مع فيروس كورونا.
فبعد فترة توافق فيها البشر جميعاً على فكرة «الإغلاق» كوسيلة وحيدة لمحاصرة الفيروس، انقسمت دول العالم إلى فريقين: الفريق الأول يتعامل مع الفيروس بشعار «دعه يعمل.. دعه يمر».. والفريق الثانى يرفع شعار «استمر فى قطع الطريق على الفيروس بالإغلاق».
الدول التى ترفع شعار «دعه يعمل.. دعه يمر»، يعلم أهلها أن الفيروس موجود، وأن حالات الإصابة متواترة، وأن الوفيات تسقط بفعل الفيروس يومياً، لكنهم آلوا على أنفسهم ألا يوقفوا عجلة الحياة مرة أخرى إلا فى حدود ضيقة للغاية.
المسئولون داخل بعض الدول صاحبة هذا الشعار لا يجدون غضاضة فى فتح الباب ما دام الناس يلتزمون بالإجراءات الاحترازية، رغم أن لهم تصريحات تنعى على المواطنين عدم الالتزام، ولدينا فى مصر نماذج عديدة على ذلك.
على الجهة الأخرى تظهر الدول التى ترفع شعار «استمر فى قطع الطريق على الفيروس»، ويتوقف مسئولوها أمام أى زيادة فى أعداد المصابين أو الوفيات، ويبادرون إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات الاحترازية.
فى الكويت على سبيل المثال تم فرض حظر التجول من الخامسة مساءً إلى الخامسة صباحاً لمدة شهر، بدءاً من 7 مارس الجارى، بسبب زيادة عدد الإصابات بالفيروس.
وفى ألمانيا تم تمديد الإغلاق المفروض بسبب «كورونا» إلى 28 مارس الجارى. وتوافقت أنجيلا ميركل مع مسئولى الولايات على أن يتم التحرر من إجراءات الإغلاق بسياسة الخطوة خطوة، تبعاً للحالة داخل كل ولاية، على أن تتم العودة إلى الإغلاق فوراً فى حالة زيادة الإصابات.
لا نستطيع أن نرجّح أسلوباً على أسلوب، أو شعاراً على شعار.. فكل دولة أعلم بظروفها، لكن التجربة تقول إن الاحتياط واجب.
ولو أننا نظرنا إلى دولة مثل البرازيل فسنجد أن أرقام الوفيات بـ«كورونا» بين مواطنيها سجلت أعلى منسوب لها على مدار اليومين الأخيرين، حيث وصلت إلى 1910 وفيات. وهى حصيلة يومية قياسية لعدد الوفيات منذ يوليو الماضى. ووصف معهد الصحة الحكومى الوضع هناك بـ«المقلق».
لعلك تذكر أن كبار المسئولين داخل البرازيل كانوا الأكثر استخفافاً بالفيروس عندما ضرب العالم أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020. وقتها صرح الرئيس البرازيلى جايير بولسونارو بأنه لا يستطيع إغلاق البلاد بسبب الفيروس وأنه إذا فعل ذلك سيكون أشبه بمن يغلق مصنع سيارات لمجرد أن سيارة واجهت حادثة سير. وعندما ارتفعت أعداد الإصابات بالفيروس أواخر عام 2020 خرج الرئيس البرازيلى وقتها وخاطب شعبه قائلاً: «الجميع سيموت فى النهاية». المسئول الأول فى البرازيل كان معذوراً وهو يطلق هذه التصريحات، فالأوضاع الاقتصادية هناك لم تكن تحتمل الإغلاق، لكن المشكلة أن «بولسونارو» خرج على البرازيليين أوائل يناير الماضى معلناً أن «البرازيل مفلسة.. وليس هناك ما يمكننى القيام به»، وعزا الأزمة إلى هذا الفيروس الذى غذّاه الإعلام. فى هذه اللحظة بدأ «بولسونارو» يتمحك بالفيروس ويعلّق فى رقبته طوق الإفلاس.
بعد مرور شهرين على هذا الإعلان بلغت أعداد الوفيات بالفيروس رقماً قياسياً، ووصل عدد المصابين بالفيروس فى البرازيل إلى ما يقرب من 11 مليون مصاب، وعدد الوفيات ما يزيد على ربع مليون.
المسألة معقدة جداً.