توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدروشة.. والولس.. والانكسار

  مصر اليوم -

الدروشة والولس والانكسار

بقلم: د. محمود خليل

وقعت الواقعة وحدثت مذبحة الإسكندرية (11 يونيو 1882)، التى اتخذها الإنجليز ذريعة للتدخل العسكرى فى مصر. أطلق «عرابى» نفير الاحتشاد للدفاع عن مصر، وانطلق صوته الإعلامى «عبدالله النديم» يجلجل بتهيئة الأداهم نفسياً وإقناعهم بسهولة التحدى الذى يواجههم، وأن مدافع عرابى من ناحية ومدافع الدولة العلية من ناحية أخرى قادرة على هتك القوات الإنجليزية وهزيمتها هزيمة ساحقة. انطوى خطاب «النديم» على خلط واضح بين الحقائق والأكاذيب، لكنه فى كل الأحوال كان يتسق مع التركيبة النفسية والمزاجية لـ«أدهم»، ذلك الضعيف الباحث عن قوة.

حسابات كثيرة خاطئة وقع فيها «عرابى» أدت إلى سير الأمور فى معركة كفر الدوار، ثم التل الكبير، على غير ما يحب الأداهم المصريون الذين تطوّعوا لصد الهجوم على مصر. دار رأس الزعيم باحتشاد البسطاء من خلفه، وبتقرّب أعيان مصر إليه، وتزلّف سيدات البيت العلوى له. وجد الفلاح البسيط نفسه فجأة فى بؤرة الأحداث، ولأنه جزء من ظاهرة التديّن اللسانى الذى يسيطر على الشخصية الأدهمية، فقد شعر بأن المقادير التى وضعته فى صدارة المشهد كفيلة بأن تحفظه حتى النهاية، بعيداً عن أى حسابات عقلية يلفت من حوله النظر إليها. يقول «بلنت» صاحب كتاب «التاريخ السرى للاحتلال الإنجليزى لمصر»: «راح عرابى يسير بطريقة حالمة فى الطريق الذى رسمه له الحظ، وكبرت فى رأسه خرافة المصير الذى رسمه له القدر، وأن العناية الإلهية بعثته منقذاً لهذا الشعب. تدين أحمد عرابى هو الذى جعله يسلم نفسه بصورة خاصة إلى رجال الدين، الأمر الذى جعل الرجل يمضى أكبر جزء من وقته مع رجال الدين فى الأدعية والتلاوات، بدلاً من تمضيته فى مهامه الدنيوية الخاصة بتنظيم وتقوية الدفاع، ويبدو أن هذه العادة استمرت مع عرابى حتى النهاية».

فى لحظات التوتر الكبرى كثيراً ما يقفز ما فى داخل النفس إلى خارجها، لتتوارى حسابات العقل وراء ظلال كثيفة من أشواق النفس. كان «عرابى» مثل كل الأداهم المصريين وطنياً مخلصاً وحالماً كبيراً بالحياة العادلة، لكنه كان يماثلهم أيضاً فى تغليب أحلام «الحديقة والناى» على أحكام العقل والحسابات الواقعية. كان الأداهم الصغار يتحرّكون بالطريقة نفسها، ورغم ما دوت به ألسنتهم من هتافات لعرابى وحياة عرابى، إلا أن أغلبهم انصرف عنه فى هدوء عندما أصدر السلطان العثمانى فرماناً بعصيان «عرابى» وخروجه عن خليفة المسلمين!، ربما لم يكن لدى بعضهم قناعة فى السلطان ودولته العاجزة عن صد الإنجليز، لكن تدينهم اللسانى غلبهم. فقناعتهم بالخلافة كمظهر تفوق على قناعتهم بها كمخبر.

هكذا انتهت هوجة «عرابى»، كما سماها المصريون أيامها، وانقسم الأداهم إلى فريقين: فريق يرى أن اندفاع «عرابى» هو السبب فى احتلال مصر، فى حين رفع فريق آخر شعار: «الولس كسر عرابى»، منوهين بأن السبب فى هزيمته مردها خيانة الجميع له، لكن كلا الفريقين لم يتأمل نفسه وأحواله الأدهمية ليرى الحقيقة، التى تقول إن النفس التى لا تنتصر على ضعفها لا بد أن تحالفها الهزيمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدروشة والولس والانكسار الدروشة والولس والانكسار



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon