توقيت القاهرة المحلي 21:03:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدروشة.. والولس.. والانكسار

  مصر اليوم -

الدروشة والولس والانكسار

بقلم: د. محمود خليل

وقعت الواقعة وحدثت مذبحة الإسكندرية (11 يونيو 1882)، التى اتخذها الإنجليز ذريعة للتدخل العسكرى فى مصر. أطلق «عرابى» نفير الاحتشاد للدفاع عن مصر، وانطلق صوته الإعلامى «عبدالله النديم» يجلجل بتهيئة الأداهم نفسياً وإقناعهم بسهولة التحدى الذى يواجههم، وأن مدافع عرابى من ناحية ومدافع الدولة العلية من ناحية أخرى قادرة على هتك القوات الإنجليزية وهزيمتها هزيمة ساحقة. انطوى خطاب «النديم» على خلط واضح بين الحقائق والأكاذيب، لكنه فى كل الأحوال كان يتسق مع التركيبة النفسية والمزاجية لـ«أدهم»، ذلك الضعيف الباحث عن قوة.

حسابات كثيرة خاطئة وقع فيها «عرابى» أدت إلى سير الأمور فى معركة كفر الدوار، ثم التل الكبير، على غير ما يحب الأداهم المصريون الذين تطوّعوا لصد الهجوم على مصر. دار رأس الزعيم باحتشاد البسطاء من خلفه، وبتقرّب أعيان مصر إليه، وتزلّف سيدات البيت العلوى له. وجد الفلاح البسيط نفسه فجأة فى بؤرة الأحداث، ولأنه جزء من ظاهرة التديّن اللسانى الذى يسيطر على الشخصية الأدهمية، فقد شعر بأن المقادير التى وضعته فى صدارة المشهد كفيلة بأن تحفظه حتى النهاية، بعيداً عن أى حسابات عقلية يلفت من حوله النظر إليها. يقول «بلنت» صاحب كتاب «التاريخ السرى للاحتلال الإنجليزى لمصر»: «راح عرابى يسير بطريقة حالمة فى الطريق الذى رسمه له الحظ، وكبرت فى رأسه خرافة المصير الذى رسمه له القدر، وأن العناية الإلهية بعثته منقذاً لهذا الشعب. تدين أحمد عرابى هو الذى جعله يسلم نفسه بصورة خاصة إلى رجال الدين، الأمر الذى جعل الرجل يمضى أكبر جزء من وقته مع رجال الدين فى الأدعية والتلاوات، بدلاً من تمضيته فى مهامه الدنيوية الخاصة بتنظيم وتقوية الدفاع، ويبدو أن هذه العادة استمرت مع عرابى حتى النهاية».

فى لحظات التوتر الكبرى كثيراً ما يقفز ما فى داخل النفس إلى خارجها، لتتوارى حسابات العقل وراء ظلال كثيفة من أشواق النفس. كان «عرابى» مثل كل الأداهم المصريين وطنياً مخلصاً وحالماً كبيراً بالحياة العادلة، لكنه كان يماثلهم أيضاً فى تغليب أحلام «الحديقة والناى» على أحكام العقل والحسابات الواقعية. كان الأداهم الصغار يتحرّكون بالطريقة نفسها، ورغم ما دوت به ألسنتهم من هتافات لعرابى وحياة عرابى، إلا أن أغلبهم انصرف عنه فى هدوء عندما أصدر السلطان العثمانى فرماناً بعصيان «عرابى» وخروجه عن خليفة المسلمين!، ربما لم يكن لدى بعضهم قناعة فى السلطان ودولته العاجزة عن صد الإنجليز، لكن تدينهم اللسانى غلبهم. فقناعتهم بالخلافة كمظهر تفوق على قناعتهم بها كمخبر.

هكذا انتهت هوجة «عرابى»، كما سماها المصريون أيامها، وانقسم الأداهم إلى فريقين: فريق يرى أن اندفاع «عرابى» هو السبب فى احتلال مصر، فى حين رفع فريق آخر شعار: «الولس كسر عرابى»، منوهين بأن السبب فى هزيمته مردها خيانة الجميع له، لكن كلا الفريقين لم يتأمل نفسه وأحواله الأدهمية ليرى الحقيقة، التى تقول إن النفس التى لا تنتصر على ضعفها لا بد أن تحالفها الهزيمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدروشة والولس والانكسار الدروشة والولس والانكسار



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:14 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا
  مصر اليوم - محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:57 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

دليل بأهم الأشياء التي يجب توافرها داخل غرفة المعيشة

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

GMT 10:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز 5 ضحايا لهيمنة ميسي ورونالدو على الكرة الذهبية

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 10:39 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

أبوظبي وجهة مثالية لقضاء العطلة في موسم الشتاء الدافئ

GMT 03:57 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 منتخبات عربية في صدارة مجموعات تصفيات كأس العالم 2026
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon