توقيت القاهرة المحلي 20:01:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بين "الاستهلاك" و"الاستعراض"

  مصر اليوم -

بين الاستهلاك والاستعراض

بقلم: د. محمود خليل

منهجية لطيفة يتبعها بعض المصريين فى مواجهة المشكلات، يمكن وصفها بمنهجية «حلاوتها فى بساطتها»، وهى نفس المنهجية التى اعتمد عليها بطل فيلم «ابن القنصل» عندما واجه مشكلة استخراج جواز سفر «مضروب» لبطلة الفيلم، فلم يلجأ إلى تزوير الجواز نفسه، بل إلى تزوير الأوراق المطلوبة لاستخراج الجواز، ثم استصدره بصورة رسمية دون أدنى مشكلة. رغم أن الحسابات المنطقية تقول إن احتمالات اكتشاف التزوير فى 10 وثائق أعلى من احتمالات اكتشافه فى وثيقة واحدة. هذه الطريقة فى التفكير ومعالجة المشكلات تصلح للأفلام العربى التى تعتمد على الخيال الافتراضى، أما فى عالم الحقيقة والواقع فالأمر يختلف، ومؤكد أن العديد من المشكلات التى توجع المجتمع من الصعب أن تحل بهذه الطرق البسيطة، خصوصاً أن أغلبها يرتبط بأسباب شديدة التعقيد.

دعنا نضرب مثالاً على ما نقول بالأفكار التى بدأ البعض بطرحها فى مواجهة مشكلة ارتفاع معدلات الانتحار بين المصريين خلال الفترة الأخيرة. البعض تبنى حل «الكلمة الطيبة»، وذكر أن تحسين العلاقات بين البشر وحرصهم على تهوين مشكلات بعضهم البعض بالكلمات الطيبة بوابة يمكن الولوج منها إلى التقليل من حالات الانتحار. آخرون رأوا أن الحل فى دعم فكرة العودة إلى حظيرة الإيمان، لأن الإيمان يمثل حصناً حصيناً يحول دون سقوط المرء فى براثن المشكلات النفسية ويمنعه من قتل نفسه، لأن الدين يحرم ذلك. بعض المؤسسات الجامعية لجأت إلى حل ثالث فأعلنت عن تنظيم ندوات ومؤتمرات وإنشاء مراكز بحثية لمعالجة هذا الطارئ الجديد على حياة المصريين.

لا أنكر النوايا الطيبة والرغبة الأمينة لدى أصحاب هذه الحلول لمواجهة المشكلة التى توجع الجميع، لكن يبقى أن الحلول المطروحة طبقاً لمنهجية «حلاوتها فى بساطتها» لن تحد من المشكلة أو حتى تقلل من تداعياتها وآثارها. فهى تعكس فى أغلبها «ميولاً استهلاكية» لدى البعض، و«ميولاً استعراضية» لدى البعض الآخر، فالمجتمعات التى تعلو فيها قيمة المال على ما عداها وتتحكم فيها رذيلة الاستهلاك محكوم عليها بالتردى القيمى، وبالتالى فأى حديث عن أخلاقيات أرقى فى التعامل وتبادل الكلمات الطيبة بين أهلها قبض ريح، لأن ضغوط الرغبة فى الهبش وسرقة الفرص واقتناص المغانم سوف تصرف الغالبية عن الاكتراث بالأمور الأخلاقية أو الطبطبة على غيرهم. والحديث عن أن العودة إلى حظيرة الإيمان هى الحل هو أيضاً حديث استهلاكى، لأن مساحة «الإيمان اللسانى» تزيد على مساحة «الإيمان بالقلب والنفس» لدى الكثيرين. وأخشى أن أقول إن «التدين» لدى بعض المصريين أصبح «حالة استهلاكية» ليس أكثر. أما المؤتمرات والندوات وخلافه فتعبر عن التوجه الاستعراضى لدى قيادات بعض المؤسسات الجامعية. فبعض -أقول بعض وليس كل- رؤساء الجامعات وعمداء الكليات يستثمرون المشكلات التى تواجه الشباب كوسيلة لتقديم أنفسهم للقيادة الأعلى أو كأداة للنفاق الاجتماعى.

علينا أن نعترف أن المشكلات التى تكرست عبر سنين لن تحل بكلمة طيبة أو بندوة لوذعية أو بدعوة دينية. المجتمع المصرى يحتاج إلى ثورة ثقافية شاملة تستعيد الدور التربوى للأب والأم داخل الأسرة، والدور التوعوى للأستاذ والمعلم داخل الجامعة والمدرسة، والدور التنويرى للإعلام، والدور الإنسانى للمؤسسات الدينية، والدور الرعائى لمؤسسات الدولة. نحن بحاجة إلى ثقافة جديدة تعيد للعقل هيبته، وللعلم احترامه، وللمجتهد حقه ونصيبه العادل فى نيل الفرص، وللقانون عدله، وللكبير دوره فى رعاية الصغير، وللصغير واجبه فى احترام الكبير. ذلك هو الطريق الصعب الذى علينا أن نسلكه، وكفانا رفعاً لشعار: «ليه تدفع أكتر ما دام ممكن تدفع أقل»!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين الاستهلاك والاستعراض بين الاستهلاك والاستعراض



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:59 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند
  مصر اليوم - تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

أنجلينا جولي تكشف عن شعورها تجاه عملها بعد رحيل والدتها

GMT 15:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:55 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

اتفاق رباعي علي خارطة طريق لإيصال الغاز إلي بيروت

GMT 06:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الشكشوكة التونسية

GMT 19:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل العثور على "سوبرمان هوليوود" ميتاً في صندوق

GMT 04:38 2019 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تعرفي على 9 موديلات مميزة لتزيّني بها كاحلكِ

GMT 22:22 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

مستوى رمضان صبحي يثير غضب لاسارتي في الأهلي

GMT 04:46 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

إليكِ أفكار سهلة التطبيق خاصة بديكورات المطابخ الحديثة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon