توقيت القاهرة المحلي 18:48:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفن والجمهور

  مصر اليوم -

الفن والجمهور

بقلم: د. محمود خليل

خلال عقود الثلاثينات والأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضى تربّع على عرش الغناء العربى مطربات ومطربون كبار، أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وشادية وفايزة ووردة ومحرم فؤاد وغيرهم. كان الفن الشعبى موجوداً فى إنتاج محمد عبدالمطلب وسيد الملاح وشفيق جلال، والموال الشعبى كان حاضراً أيضاً فى إنتاج بدرية السيد والريس حفنى وخضرة محمد خضر. لأسباب متعددة اكتملت خارطة الإبداع فى ذلك الوقت بصورة لم تتكرّر فى تاريخنا. أمور كثيرة اختلفت فى دنيا المغنى والطرب أواخر الستينات، حين اهتز العقل المصرى هزة عنيفة عقب نكسة 1967.

ما حدث -بعد النكسة- ببساطة هو أن الأشياء فقدت معناها فى نظر الجمهور، وبعد سنين طويلة قضاها فى تأمل المعانى التى يكتبها رامى ومرسى جميل عزيز وأحمد شفيق كامل وصالح جودت وحسين السيد وصلاح جاهين والأبنودى ومواويل بدرية السيد وحفنى أحمد حسن وغيرهم وغيرهم، بدأ يبحث عن اللامعنى، فانتشرت أغانٍ مثل سلامتها أم حسن وأمّه نعيمة والطشت قال لى. فى فيلم ثرثرة فوق النيل حضرت ميرفت أمين، التى كانت تؤدى دور فتاة جامعية تبحث عن فرصة فى مجال التمثيل، مشهداً يلعب فيه أحمد رمزى دور فتاة ترقص على أنغام «الطشت قال لى»، فسألته «هو الطشت قال لى بتعبر عن إيه؟!» فرد عليها: «بتعبر عن أزمة انقطاع المياه فى الأدوار العليا»!. ولو أنك قرأت النص المكتوب لرواية «ثرثرة فوق النيل» فسوف تجد عبارة شديدة الدلالة كان أنيس زكى -كبير الحشاشين- دائم الثرثرة بها فى مواجهة ما يحدث فى الواقع: «يا أى شىء افعل أى شىء قبل أن يقتلنا اللاشىء». كانت مصر تعيش حينذاك فى دنيا «اللاشىء». لم يعد للبحث عن معنى فى كلمات الأغنية أو الصوت الذى يغنيها أو النغمات التى تصحبها أمر ذو بال، بعد أن عاش الجمهور ردحاً طويلاً من الزمان مخدوعاً بالمعانى التى حملتها بعض الأغنيات. واحد من أشهر كتاب الأغانى حينذاك -وهو المبدع صلاح جاهين- قالها صراحة: «لقد خدعنا الناس». فالمعانى المضللة لا تقل سفاهة عن المعانى التافهة. فى ذلك الوقت بدأ الجمهور يبحث عن التفاهة، عن كلمة ولحن وأداء لا يدعوه إلى التفكير والتأمل، بل إلى التهريج.

ومع وفاة أغلب نجوم الفن الغنائى الكبار خلال فترة السبعينات بدأت المساحات الشاغرة تزيد، فتسابقت العديد من الأصوات التى ظهرت ودوّت شهرتها بين المصريين على ملء الفراغ. بعض الإنتاج كان جيداً، لكن فكرة البحث عن الجودة كانت قد تراجعت فى ذهن الجمهور. فتجربته مع الجودة كانت خادعة، أما التفاهة فتتناغم مع العقل الباحث عن التوهان. والأجيال التى عاصرت مطربينا الكبار، ولم تزل تطربها أغانيهم حتى الآن لا يبحثون عن إبداع يحمل معنى قدر ما يبحثون عن جزء من ماضيهم، يحنّون إليه فى لحظات. الإبداع الناجح أساسه أمران: الصدق من جانب المبدع، والذوق من جانب المستمع. قديماً تحدّى طه حسين -رحمه الله- فرضية أن «أجمل الشعر أكذبه»، وتمسّك بالفكرة العكسية التى تقول «أجمل الشعر أصدقه». وزمان سأل الإعلامى مفيد فوزى الموسيقار محمد عبدالوهاب: «هل مات الفن».. فرد عليه «مات الفن عندما مات الجمهور».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفن والجمهور الفن والجمهور



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon