توقيت القاهرة المحلي 00:06:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزو «الأداهم»

  مصر اليوم -

غزو «الأداهم»

بقلم: د. محمود خليل

الثوب فى نظر «أدهم» عنوان على صاحبه. يحكى نجيب محفوظ فى رواية «أولاد حارتنا» أنه لما نزل «أدهم» مطروداً من البيت الكبير إلى الخلاء، كان أول ما فكر فيه أن يخلع ثوب البيت الكبير المكون من جلباب حريرى ناعم وعباءة كشميرية زاهية. هذا الثوب لم يعد يستقيم مع حياته الجديدة التى وجد نفسه فيها جزءاً من حرافيش الخلاء وبائع «خيار» متواضع الحال. ارتدى «أدهم» زياً يتناسب مع مقتضى الحال الجديدة التى وجد نفسه فيها. جانب من الروح الأدهمية دفع الشيخ حسن البنا إلى اختيار مظهره وصياغة منظره بعناية وبصورة تحمل رسالة معينة إلى نوع «الأداهم» التى قرر السعى لاستقطابها لتعمل تحت راية جماعته. يسجل محمود عبدالحليم -أحد كبار الأعضاء المؤسسين للإخوان وواحد من أشهر مؤرخيها- أنه التقى الشيخ البنا لأول مرة بمنزل كان يقطن به بحارة الروم، فوصفه قائلاً: «شاب أبيض الوجه مستديره، ذو لحية سوداء، يرتدى بدلة وعلى رأسه طربوش، فكان هذا منظراً عجيباً حيث لم يكن مألوفاً فى ذلك الوقت أن يكون أحد معفياً لحيته إلا ويرتدى جبة وقفطاناً».

هيئة حسن البنا أثارت دهشة محمود عبدالحليم، لكنه لم يجتهد فى تفسير ما أثار عجبه، ولم يفهم المغزى من وراء الزى الذى اختاره «البنا» وجعل اللحية عنواناً له. الهيئة تختار زبونها، والأزياء كالطيور على أشكالها تقع. رسم حسن البنا هيئته بعناية وبشكل يحمل رسالة معينة تشى بالعناصر الأدهمية التى قرر استقطابها إلى جماعته. البدلة كانت تختار صغار الأفندية من الطلاب والموظفين المحدثين، أما اللحية فقد كانت تختار البسطاء من العمال والحرفيين وأهل القرى. إنهم الصغار الأقل تعليماً ووعياً وقدرة اقتصادية ومنزلة اجتماعية. هم ببساطة «حرافيش الأداهم» الذين تحدث عنهم نجيب محفوظ فى روايته «الحرافيش» وراهن على امتلاكهم قوة ذاتية خطيرة إذا تحركوا ككتلة واحدة.

«الحرافيش»، كما وصف نجيب محفوظ سيرتهم، هم غالبية «الأداهم» الذين يعيشون فوق أرض المحروسة، من الطبقات الفقيرة والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة، وثمة مجموعة من السمات المشتركة التى تجمع هذا الشتات، يتحدد أولها فى «المظلومية»، فالمظالم أكثر ما يسود حياتهم، والشكوى من الواقع أكثر ما يتردد على ألسنتهم. وثانيها التدين اللسانى، فالعجز عن مواجهة محن الأرض يدفع هؤلاء إلى الاستدعاء المستمر للسماء، ولكن لأن الإحساس بالظلم تمكن من نفوسهم فهم لا يتورعون عن العدوان على غيرهم، متى أتيحت لهم الفرصة، ولأن تدينهم لسانى فهم لا يتوانون عن إسقاط تعاليمه من تفكيرهم وهم يظلمون، السمة الثالثة تتمثل فى الحلم بظهور فتوة عادل يمتاز بالقوة ويتعامل مع الجميع بميزان عدل، وقد ورثوا عن أجدادهم «الأداهم» أن خير نموذج على ذلك تحقق فى عصر الخليفة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه.

لم يفكر «الحرافيش» فى حل ينبع منهم، ليغيروا أوضاعهم، ويحققوا العدل فيما بينهم، وليمنحوا المعانى السامية للدين فرصة للتمكن من نفوسهم ويتركوا اللكلكة فيه باللسان. دائماً ما كانوا يحلمون بخروج واحد من صفوفهم يعمل وحده ليعيد التوازن إلى حياتهم الكسولة المهتزة، الحياة التى تزينها الأحلام الأدهمية بوفرة الخبز وخلو البال الذى يدفع بصاحبه إلى التمدد فوق أرض الحديقة والسُكر بالكلام والأنغام التى تطرب الأذن. أدرك حسن البنا تلك الحقيقة فى هذا الرهط المترهل من «الأداهم» فقرر غزوهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزو «الأداهم» غزو «الأداهم»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:14 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا
  مصر اليوم - محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon