توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«التوت والنبوت»

  مصر اليوم -

«التوت والنبوت»

بقلم: د. محمود خليل

كانت فترة ما بين الحربين العالميتين فترة صراع سياسى وثقافى كبير، تنوعت فيها أسماء الساسة والمفكرين التنويريين، وعلى ألسنتهم وفوق سطور مؤلفاتهم سالت العديد من الأفكار المفيدة البناءة، لكنها لم تبرح الألسنة والسطور إلى صدور الأداهم. والسر فى ذلك أن أغلب الأسماء الكبرى التى ظهرت على مستوى السياسة والفكر حينذاك ربطت نفسها بالسلطة أكثر مما وثقت علاقتها بالشارع، انطلاقاً من رؤية تذهب إلى أن التغيير الثقافى هَم لا بد أن تتبناه السلطة لتعيد صياغة الواقع، أما هُم فيكفيهم جداً إنتاج الأفكار وتسويقها لدى السلطة ونيل المكافأة على ذلك، لذا ففى اللحظة التى كانت تعج فيها سماء «الأدهمية المصرية» بالعديد من الأسماء التى لمعت فى مجال التنوير، كانت أرضها تعيش نهباً للخرافة والفهوم المغلوطة للدين والدنيا، ناهيك عن المظالم. لم يفكر أحد فى النزول والتحرك وسط هذه الطبقة العريضة من «حرافيش الأداهم» ليأخذ بيدهم إلى الأمام، فقط الشيخ حسن البنا هو الذى قرر النزول ليأخذ بيدهم، ولكن إلى الماضى أو الخلف.

ذهب حسن البنا إلى بسطاء «الأداهم» حيث يوجدون، فى المساجد والزوايا، فى المقاهى والمدارس، وحتى الجامعات ذهب إليها، بدأ من الإسماعيلية ثم انتقل إلى القاهرة، ومن القاهرة أخذ يتحرك فى كل المحافظات، ليجند الأتباع من هنا وهناك، وفى كل مكان يذهب إليه كان يترك خلفه شعبة من شُعب الإخوان تنشط فى تجنيد أبناء المنطقة الكائنة بها. تندر الشيخ «البنا» ذات يوم بأن الأدهم الإخوانى الذى يعطس فى الإسكندرية يقول له أخوه الأدهم الأسوانى: يرحمكم الله. أسكر البنا آذان مستمعيه من «حرافيش الأداهم» بأحاديث لا تنتهى عن أنهم أعز خلق الله وأنهم ليسوا ضعافاً كما يتصورون، بل هم أقوياء بإيمانهم، «رب أشعث أغبر لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره». إنها رسالة ساحرة لأقوام منغمسين فى حياة فوضوية رديئة يستخلصون منها أن القيمة ليست فى العلم ولا فى التقدم الذى يسبح فى بحاره المحتل الغربى، القيمة فى إطلاق اللحية، وارتداء الجلباب، وإحياء سُنة المسواك، ومد الأرجل فى المساجد بالساعات، وتجنيد غيرهم وجذبهم إلى العالم الجديد الذى يصنعه الشيخ المطربش.

إنها حالة أرضت الأداهم كل الرضاء، حالة تختلط فيها فكرة الاعتزاز بالذات الضعيفة المهانة التى تحيا فى وسط متردٍّ، بإطعام الفم من خلال جلسات الطعام والشراب المشترك التى يتصدرها الثريد «طاجن الفتة»، بقعدات الأنس والونس الذى يجده «الأدهم» عبر اختلاطه مع أفراد أسرته أو شعبته الإخوانية، بإحساس بتحقيق السيادة يشعر به الأخ المسئول الذى يدين له بقية مجموعته بالسمع والطاعة، بالتماهى بشخص المرشد الذى يقول عنه محمود عبدالحليم فى كتابه «أحداث صنعت التاريخ» إنه لم يعرف مقام النبوة إلا عندما احتك بحسن البنا!. إنها حالة فريدة من نوعها تمكن فيها شخص من النزول إلى الخلاء الذى يعيش فيه الأداهم ويتلاعب بعقولهم ويقدم لهم صياغته الخاصة لمعادلة «الخبز والهدوء» المولعين بها. لقد امتلك سعد زغلول القدرة على التأثير فى الأداهم بخطبه الطنانة الرنانة، كان يعلم أن الناس تكتفى بالاستماع والطرب ولا يتحركون بعد ذلك، تماماً مثلما وصف عدلى يكن حاله ذات يوم بقوله: ««سعد باشا يقول كلاماً بديعاً، لكنه مع الأسف يخاطب جماعات كأعمدة السكك الحديدية»، كان الزعيم يعلم ذلك ويكتفى بالكلام لأنه رجل سياسة، أما حسن البنا فقد قرر أن ينزل إلى أرض الأداهم ويتفاعل معهم مباشرة، لأنه أراد تجييشهم وتكتيلهم، وتحويلهم إلى «نبوت» يفرض به ما يريد على من يريد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«التوت والنبوت» «التوت والنبوت»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon