توقيت القاهرة المحلي 21:39:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«التوت والنبوت»

  مصر اليوم -

«التوت والنبوت»

بقلم: د. محمود خليل

كانت فترة ما بين الحربين العالميتين فترة صراع سياسى وثقافى كبير، تنوعت فيها أسماء الساسة والمفكرين التنويريين، وعلى ألسنتهم وفوق سطور مؤلفاتهم سالت العديد من الأفكار المفيدة البناءة، لكنها لم تبرح الألسنة والسطور إلى صدور الأداهم. والسر فى ذلك أن أغلب الأسماء الكبرى التى ظهرت على مستوى السياسة والفكر حينذاك ربطت نفسها بالسلطة أكثر مما وثقت علاقتها بالشارع، انطلاقاً من رؤية تذهب إلى أن التغيير الثقافى هَم لا بد أن تتبناه السلطة لتعيد صياغة الواقع، أما هُم فيكفيهم جداً إنتاج الأفكار وتسويقها لدى السلطة ونيل المكافأة على ذلك، لذا ففى اللحظة التى كانت تعج فيها سماء «الأدهمية المصرية» بالعديد من الأسماء التى لمعت فى مجال التنوير، كانت أرضها تعيش نهباً للخرافة والفهوم المغلوطة للدين والدنيا، ناهيك عن المظالم. لم يفكر أحد فى النزول والتحرك وسط هذه الطبقة العريضة من «حرافيش الأداهم» ليأخذ بيدهم إلى الأمام، فقط الشيخ حسن البنا هو الذى قرر النزول ليأخذ بيدهم، ولكن إلى الماضى أو الخلف.

ذهب حسن البنا إلى بسطاء «الأداهم» حيث يوجدون، فى المساجد والزوايا، فى المقاهى والمدارس، وحتى الجامعات ذهب إليها، بدأ من الإسماعيلية ثم انتقل إلى القاهرة، ومن القاهرة أخذ يتحرك فى كل المحافظات، ليجند الأتباع من هنا وهناك، وفى كل مكان يذهب إليه كان يترك خلفه شعبة من شُعب الإخوان تنشط فى تجنيد أبناء المنطقة الكائنة بها. تندر الشيخ «البنا» ذات يوم بأن الأدهم الإخوانى الذى يعطس فى الإسكندرية يقول له أخوه الأدهم الأسوانى: يرحمكم الله. أسكر البنا آذان مستمعيه من «حرافيش الأداهم» بأحاديث لا تنتهى عن أنهم أعز خلق الله وأنهم ليسوا ضعافاً كما يتصورون، بل هم أقوياء بإيمانهم، «رب أشعث أغبر لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره». إنها رسالة ساحرة لأقوام منغمسين فى حياة فوضوية رديئة يستخلصون منها أن القيمة ليست فى العلم ولا فى التقدم الذى يسبح فى بحاره المحتل الغربى، القيمة فى إطلاق اللحية، وارتداء الجلباب، وإحياء سُنة المسواك، ومد الأرجل فى المساجد بالساعات، وتجنيد غيرهم وجذبهم إلى العالم الجديد الذى يصنعه الشيخ المطربش.

إنها حالة أرضت الأداهم كل الرضاء، حالة تختلط فيها فكرة الاعتزاز بالذات الضعيفة المهانة التى تحيا فى وسط متردٍّ، بإطعام الفم من خلال جلسات الطعام والشراب المشترك التى يتصدرها الثريد «طاجن الفتة»، بقعدات الأنس والونس الذى يجده «الأدهم» عبر اختلاطه مع أفراد أسرته أو شعبته الإخوانية، بإحساس بتحقيق السيادة يشعر به الأخ المسئول الذى يدين له بقية مجموعته بالسمع والطاعة، بالتماهى بشخص المرشد الذى يقول عنه محمود عبدالحليم فى كتابه «أحداث صنعت التاريخ» إنه لم يعرف مقام النبوة إلا عندما احتك بحسن البنا!. إنها حالة فريدة من نوعها تمكن فيها شخص من النزول إلى الخلاء الذى يعيش فيه الأداهم ويتلاعب بعقولهم ويقدم لهم صياغته الخاصة لمعادلة «الخبز والهدوء» المولعين بها. لقد امتلك سعد زغلول القدرة على التأثير فى الأداهم بخطبه الطنانة الرنانة، كان يعلم أن الناس تكتفى بالاستماع والطرب ولا يتحركون بعد ذلك، تماماً مثلما وصف عدلى يكن حاله ذات يوم بقوله: ««سعد باشا يقول كلاماً بديعاً، لكنه مع الأسف يخاطب جماعات كأعمدة السكك الحديدية»، كان الزعيم يعلم ذلك ويكتفى بالكلام لأنه رجل سياسة، أما حسن البنا فقد قرر أن ينزل إلى أرض الأداهم ويتفاعل معهم مباشرة، لأنه أراد تجييشهم وتكتيلهم، وتحويلهم إلى «نبوت» يفرض به ما يريد على من يريد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«التوت والنبوت» «التوت والنبوت»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:14 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا
  مصر اليوم - محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:57 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

دليل بأهم الأشياء التي يجب توافرها داخل غرفة المعيشة

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

GMT 10:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز 5 ضحايا لهيمنة ميسي ورونالدو على الكرة الذهبية

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 10:39 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

أبوظبي وجهة مثالية لقضاء العطلة في موسم الشتاء الدافئ

GMT 03:57 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 منتخبات عربية في صدارة مجموعات تصفيات كأس العالم 2026
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon