بقلم: د. محمود خليل
يكاد «عيد الأضحى» أن يتحول إلى لغز فى حياة الرئيس الراحل أنور السادات، فقد ارتبط بسلسلة خطيرة من الأحداث التى انتهت باغتياله عام 1981. زار «السادات» إسرائيل يوم السبت 19 نوفمبر عام 1977، ووافق هذا اليوم وقفة عرفات، ومع نسمات أول يوم العيد صلى السادات فى المسجد الأقصى. اتّخذ السادات أيضاً قرارات 5 سبتمبر الشهيرة فى 7 ذى القعدة عام 1401 هجرية، أى قبل شهر بالتمام والكمال من اغتياله يوم 8 ذى الحجة، أى ليلة وقفة عرفات من العام الهجرى نفسه. وهى القرارات التى رجّت الأدهمية رجة كبرى.
فى أكثر من مناسبة، كان «السادات» يردد أن للديمقراطية أنياباً أشرس من أنياب الديكتاتورية. وعندما فكر الرجل فى تدشين تجربة حزبية جديدة ومنح القوى السياسية المعارضة فرصة للتعبير عن نفسها كان يريد معارضة مستأنسة تحقق نوعاً من التكامل الشكلى بين الانفتاح الاقتصادى والانفتاح السياسى، ولم يفهم أن الانفتاح «السداح مداح» فى الاقتصاد كان من الطبيعى أن يتوازى معه انفتاح «سداح مداح» فى السياسة، وإن كان الأمر مبرراً فى السياسة لأن من حق كل صاحب رأى أن يعبّر عن رأيه بشكل سلمى، وأن يجتهد فى إقناع الرأى العام به.
أراد «السادات» معارضة تعمل تحت إبط الرئيس، ولا تبتغى إلى الحكم السبيل، منحها حق النقد، لكن بشرط ألا تتوجّه سهامه إليه، فهو رب العائلة، والمعارضة لا بد أن تتم تحت مظلة «أخلاق القرية»، وأن تتجنّب «العيب» فى الذات الرئاسية، ولعلك تذكر قانون العيب وما شابهه من قوانين سيئة السمعة صدرت أواخر عصر السادات. تصور الرئيس لدور المعارضة لم يكن معقولاً أو ممنطقاً، لذا فقد سارع إلى الاصطدام معها فى شهر ذى القعدة (5 سبتمبر 1981) وقرر القبض على كل رموزها، وحشد مع رموز السياسة مجموعة من الرموز الدينية داخل السجون.
بعد خطاب الغضب فى ذلك اليوم الأشهر، أصيبت وجوه الأداهم بـ«زهمة» تتشابه مع تلك التى رسمت وجه الأدهمية عشية هزيمة يونيو 1967. بدا الرئيس حاداً وهو يوزع التّهم على معارضيه وخصومه السياسيين، وأظهرت عباراته نوعاً من التحدى لكل أطياف المعارضة التى تبدى تحفّظاً على قراراته وإجراءاته، وجرحت كلماته المشاعر الأدهمية، خصوصاً عندما تطرّقت إلى وصف رموز دينية بأوصاف لا تليق، وأطال فى الحديث عن الفتنة الطائفية فى وقت كانت فيه الأدهمية كلها تعلم أنه من أخرج بعض الإسلاميين المتطرفين من السجون وأعطاهم إشارة البدء فى العمل داخل الشارع الأدهمى، فكان عجبها عميقاً من الرئيس الذى يخلق المشكلة ثم يشتكى منها، كما أن الكثيرين كانوا يؤمنون بأن بعض الفتن التى ضربت البلاد لم تكن بعيدة عن أيدى بعض المسئولين بالدولة.
تقول التجربة إن بمقدور الأدهم أن يتحمل تلالاً من المعاناة المعيشية والسياسية، لكن كلمة يلوك بها لسان الرئيس يمكن أن تقلب كيانه رأساً على عقب فتسمّم إحساسه، ويرتسم وجهه ومحياه بالعبوس والاكتئاب، ويمكث فى انتظار حدث جلل. ذلك كان إحساس الأداهم خلال الشهر الذى يمتد من 5 سبتمبر حتى 6 أكتوبر 1981، فمكثوا فى انتظار حزن جديد يُضاف إلى سلسلة الأحزان المتصلة التى تدمغ تاريخهم.