بقلم: د. محمود خليل
كان عمر بن الخطاب يعلم خطورة العصبية العائلية، وتأثيرها البالغ على أسلوب إدارة الحكم، لذا فقد اختص اثنين من الستة (أهل الشورى) وهما «عثمان وعلى» بحديث خاص. يحكى «ابن سعد» فى طبقاته الكبرى أن عمر قال وهو ينازع فى لحظاته الأخيرة: «ادعوا لى علياً وعثمان وطلحة والزبير وعبدالرحمن بن عوف وسعداً، فلم يكلم أحداً منهم غير على وعثمان، فقال: يا على لعل هؤلاء القوم يعرفون لك قرابتك من النبى صلى الله عليه وسلم وصهرك، وما آتاك الله من الفقه والعلم، فإن وليت هذا الأمر فاتقِ الله فيه، ثم دعا عثمان، فقال: يا عثمان لعل هؤلاء القوم يعرفون لك صهرك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنك، وشرفك، فإن وليت هذا الأمر فاتقِ الله ولا تحملن بنى أبى معيط على رقاب الناس».
بعد تشكيل (أهل الشورى) أعطى عمر تعليمات عجيبة لصهيب بن سنان الذى وكله فى إمامة الناس فى الصلاة فأمره بأن يصلى بالناس ثلاثة أيام، ويدخل الستة (أهل الشورى) بيتاً ويقوم على رؤوسهم، فإن اجتمع خمسة وأبى واحدٌ شدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعةٌ وأبى اثنان يضرب رأسيهما، وإن رضى ثلاثة رجلاً وثلاثة رجلاً يكون عبدالله بن عمر الحكم، فإن لم يرضوا بحُكم عبدالله بن عمر، ترجح كفة الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف، وأمره بعد ذلك بقتل الباقين إن رغبوا عما اجتمع فيه الناس. الواضح أن عمر كان يخشى الفتن، ذلك هو ما حدث بالضبط، فأراد عمر أن تتم الشورى حتى ولو جاءت تحت مظلة السيف.
كان الصراع بين أهل الشورى حتماً محتوماً. فكل كان يريد الأمر لنفسه، رغم ما كان يتوقع من كل واحد منهم أن يدفع الأمر عن نفسه. يصف «ابن كثير» هذا الموقف قائلاً: «خلص القوم من الناس فى بيت يتشاورون فى أمرهم، فكثر القول وعلت الأصوات، وقال أبوطلحة: إنى كنت أظن أن تدافعوها ولم أكن أظن أن تنافسوها، ثم صار الأمر بعد حضور طلحة إلى أن فوض ثلاثة منهم مالهم فى ذلك إلى ثلاثة، ففوض الزبير ما يستحقه من الإمارة إلى على، وفوض سعد ماله فى ذلك إلى عبدالرحمن بن عوف، وترك طلحة حقه إلى عثمان بن عفان. فقال عبدالرحمن لعلى وعثمان أيكما يبرأ من هذا الأمر فنفوض الأمر إليه، والله عليه والإسلام ليولين أفضل الرجلين الباقيين، فأسكت الشيخان على وعثمان، فقال عبدالرحمن: إنى أترك حقى من ذلك، والله على والإسلام أن أجتهد فأولى أولاكما بالحق، فقالا: نعم، ثم خاطب كل واحد منهما بما فيه من الفضل، وأخذ عليه العهد والميثاق، لئن ولّاه ليعدلن، ولئن وُلى عليه ليسمعن وليطيعن، فقال كل منهما: نعم! ثم تفرقوا».
وكما كان عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، رجل المرحلة الذى أدار عملية انتقال السلطة إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنه بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، كان عبدالرحمن بن عوف رجل المرحلة التالية المسئول عن إدارة عملية انتقال السلطة بعد وفاة عمر بن الخطاب. ولم يكن الأمر يستقيم مع وجود الستة على قائمة الاختيار، وميل كل فرد منهم إلى تزكية نفسه، لذا كان من الضرورى أن يحدث نوع من التصفية بين الشركاء، وأن يخرج منهم من يتولى المهمة الطبيعية فى اختيار أو انتخاب الخليفة من بين من بقوا فى القائمة. أخذ عبدالرحمن بن عوف فى مشورة كبار الصحابة من أهل الشورى وغيرهم من المسلمين لمدة ثلاثة أيام، ويشير صاحب البداية والنهاية إلى أن «ابن عوف» سأل فيها كل مَن يمكن أن يسأله ويألو جهداً فى استفتاء كل مَن قابل، وخلص إلى وجود ما يشبه الإجماع على «عثمان بن عفان».