بقلم: د. محمود خليل
لم يكن «أدهم المصرى» يعرف معنى لاستخدام العنف قبل عصر محمد على باشا إلا من أجل صد الغزاة الطامعين فى خيرات المحروسة. وخلال الفترة التى احتل فيها الفرنسيون مصر (1798 - 1801) لم تتشكل مجموعات قتالية أهلية لتقوم بعبء المواجهة، فقد تولَّى ذلك المماليك بالتعاون مع القوات العثمانية التى زحفت على مصر لطرد الفرنسيين. وواقعة اغتيال «كليبر» سارى عسكر الحملة قام بها الحلبى «سليمان»، ولم يكن هذا الشاب تابعاً لجماعة بل مجرد ذئب منفرد -بالتعبير المعاصر- قرر بذاته القيام بالعملية. وبعد تأسيس الجيش المصرى على يد الوالى محمد على ونجله إبراهيم باشا أصبحت مهمة الدفاع عن مصر مسئولية رسمية للدولة. وقد حكيت لك أن أول قرار اتخذه الوالى الكبير بعد سيطرته على مقاليد الحكم تجريد الأهالى من السلاح، وهو القرار الذى أثار غضب «حجاج الخضرى» وكان من أشهر الشخصيات الأدهمية حينذاك، وقد حكيت لك قصته وكيف انتهت حياته نهاية غامضة حين اختفى فجأة دون أن يعلم أحد أين ذهب؟!.
بعد عدة سنوات من الاحتلال الإنجليزى لمصر عام 1882 عادت فكرة تمكين مجموعات حزبية معينة من استخدام العنف فى مواجهة الاحتلال وأعوانه إلى الظهور مرة أخرى، وكان الداعى لها هو الحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى باشا كامل وحظى برعاية الخديو عباس حلمى الثانى. وقد تمكنت مجموعات العنف داخل الحزب من اغتيال بطرس باشا غالى رئيس وزراء مصر عام 1910 بسبب موافقته على مد امتياز قناة السويس وتوقيعه على معاهدة الحكم الثنائى للسودان، وتورطت فى محاولتين لاغتيال السلطان حسين كامل عام 1915 لقبوله ولاية عرش مصر تحت الحماية البريطانية. ولا يخفى عليك أن الحزب الوطنى كان له وجه إسلامى واضح، وكان يدعم فكرة الجامعة الإسلامية ويدافع عن دولة الخلافة، ويرى أن مصر تتبع الدولة العلية وسلطان «إسطنبول» ويحتج بهذه التبعية وهو يطالب بإخراج الإنجليز من مصر.
بطبيعته لا يميل المصرى إلى العنف، ويراه وسيلة المنسر والشطار والعيارين من اللصوص وقطاع الطرق الذين قاسى منهم الأمرَّين فى العديد من لحظات الفوضى التى عاشتها مصر. وقد حكى نجيب محفوظ فى «أولاد حارتنا» أن «أدهم» كان أجنح إلى السلم بعد أن نزل إلى الخلاء ليعيش مع غريمه إدريس، فقد كان الأخير يستفزه ويتحرش به كثيراً لكن الأول كان يؤثِر السلامة. فالطبيعة الأدهمية ميالة إلى الاستقرار، ومزاجها العام يكره العنف كل الكراهية، لكن «البنا» نجح فيما فشل فيه «إدريس»، حين أحيا داخل النفس الأدهمية أحد أحلام الموروث الشعبى والمتمثل فى حلم السيادة باسم الدين!. وقد عاش أدهم المصرى سنين طويلة يتغذى على فكرة شعبية تقول إن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح به أولها، وقد ألقى حسن البنا فى روع الأداهم أن أول هذه الأمة لم يصلح إلا حين حمل السيف. استجاب قطاع من الأداهم للفكرة الوهمية، ليثبت الشيخ المطربش أنه أشد مكراً من «إدريس» الذى حاول جر «أدهم أولاد حارتنا» إلى العنف وفشل