توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ركْب الطرب الجماعى

  مصر اليوم -

ركْب الطرب الجماعى

بقلم: د. محمود خليل

فى الوقت الذى آثر فيه زعماء ومفكرو الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضى العمل فى كنف السلطة والبعد عن الجماهير، كان حسن البنا غارقاً فى تدجين الجموع، ومجيداً فى اللعب على سيكولوجية جماهير الأداهم واستغلال روح القطيع التى تحكمها وتسيطر على سلوكيات الفرد عندما يجد نفسه وسطها. لم تكن السلطة بالطبع بعيدة عن تفكير «البنا»، لكنه فضَّل أن يمتلك أولاً الورقة التى يستطيع أى شخص أن يلاعب بها السلطة وهو مستريح الأعصاب، إنها ورقة الجماهير.

اختار حسن البنا بعد انتقاله إلى القاهرة حى الناصرية بالسيدة زينب ليؤسس فيه المركز العام الأول للإخوان بالعاصمة، وهو حى كان مكتظاً بالسكان، ومنه انتقلت الجماعة إلى مركز جديد بالعتبة الخضراء، يصف محمود عبدالحليم هذا الحى قائلاً: «كان ميدان العتبة إذ ذاك أعظم ميدان فى القاهرة وهو ملتقى المواصلات ومعترك التجارة ومهوى أفئدة أهل القاهرة والوافدين إليها من مختلف البلاد».

من حى العتبة أخذت الحركة فى التمدد واستقطاب المزيد من المريدين والأتباع، خصوصاً أنها آثرت التحرك بين الكتل والتجمعات، مثل نقابة معلمى التعليم الإلزامى، وشرعت أيضاً فى عقد المؤتمرات واستغلال كل المناسبات الممكنة فى حشد الأتباع والمتعاطفين.

تحرك «البنا» إلى المنصورة وأسيوط وبين صغار العمال والموظفين، واعتمد على ملاغاة المزاج الأدهمى الشعبوى بحِيَل وطرق جديدة تدق على الأوتار التى تسعده وتبهجه.

أدرك أن النفس الأدهمية تميل إلى الطرب فأنعشها بأناشيد جماعية يسكر فيها الجميع بمعانٍ خيالية بعيدة عن واقعهم المتردى وبأنغام تمزج بين أوتار الصوفية وطبول الزار الجماعى.

داعب تقديس «الأداهم» للطقوس فاتفق مع أذرعه المختلفة التى تتولى جمع الأتباع للاستماع إلى محاضرة المرشد بالمركز العام للجماعة على تنظيم مسيرات تخرج من المساجد الكبرى، مثل مسجد السيدة زينب، بعد صلاة العشاء، وينخرط كل من يشارك فيها فى الإنشاد الجماعى بصورة تستلفت انتباه مَن يسيرون فى الشوارع والحوارى وتغريهم بالانضمام إلى ركب الطرب المتحرك، وكثيراً ما كان ينضم أداهم جدد إلى المسيرات ليفاجأوا فى الختام بأنهم فى المركز العام للجماعة يستمعون إلى المرشد.

ابتكر حسن البنا طقوساً جديدة فى المناسبات المهمة مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، فأمر أتباعه بتنظيم مسيرات التكبير والتهليل فى كل حدب وصوب، وقرر أن يجعل الصلاة فى ساحة كبرى مكشوفة خارج العمار، بعد سنين طويلة اعتاد فيها المصريون الصلاة فى مساجد القاهرة العامرة.

يصف محمود عبدالحليم مشهد صلاة العيد قائلاً: «بعد صلاة الفجر خرجنا متوجهين لصلاة العيد وقد عوَّدنا المرشد على أدائها فى مكان خارج المدينة فى مكان فسيح أشبه بالصحراء، ولم أرَ فى حياتى صلاة عيد فى مثل هذه الروعة.

إن المسلمين عن بكرة أبيهم اتجهوا إلى هذا المكان فكل يسلك الشوارع التى تؤدى به إلى مكان الصلاة والكل يكبر تكبير العيد منذ يخرج من منزله حتى يصل إلى المكان، فكنت ترى جميع الشوارع تسيل بجموع المسلمين تصيح بالتكبير بصورة لا يملك الإنسان أمامها نفسه فترى الدموع تنهمر من العيون لروعة المنظر وروعة ما تسمعه».

لقد نجح «البنا» فى مغازلة روح «القطيع الأدهمى» بصورة غير مسبوقة!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ركْب الطرب الجماعى ركْب الطرب الجماعى



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon