بقلم: د. محمود خليل
على خط الاحتجاجات المتواصلة التى يشهدها الشارع اللبنانى، دخلت روسيا على خط الأزمة السياسية، التى يعيشها هذا البلد العربى، فقبل بضعة أيام استعجلت روسيا تشكيل الحكومة اللبنانية وأكدت أن «الحريرى» -الذى أسقط الشعب حكومته- هو الأنسب للمرحلة، بل أعلنت أنها ستُوفد مبعوثاً للتباحث مع اللبنانيين حول حل للأزمة السياسية التى تعيشها البلاد. القدم الروسية فى المنطقة رسخت منذ دخولها على خط الأزمة السورية وإرسال قوات من روسيا لمساندة نظام حكم بشار الأسد، كما أن المشهد الليبى لا يخلو هو الآخر من وجود روسى محسوس.
الوجود الروسى فى المنطقة أساسه الفراغ الذى يخلفه الغياب الغربى (الأمريكى/ الأوروبى)، فرغم مرور عدة أسابيع على المظاهرات والاحتجاجات التى يشهدها الشارع اللبنانى، والتى خلت من جهد حقيقى من جانب الطرف الغربى لحل الأزمة، فقد بدأ الدور الروسى فى الظهور. ويبدو أن الغرب أراد ترك الأمور تسير كما تسير فى لبنان، آملاً أن تؤدى فى النهاية إلى خدمة مصالحه فى تقليم أظافر حزب الله. من جانبه يصر حسن نصر على معاندة الشعب اللبنانى الذى سئم من الطائفية والمحاصصة الطائفية كأساس يرتكز عليه النظام السياسى هناك، بالإضافة إلى نفاد رصيد احتماله للفشل الحكومى المتواصل فى حل المشكلات الاقتصادية والمعيشية التى خنقت اللبنانيين. ولحسن نصر الله -كما تعلم- سابقة تعاون مع الروس فى الدفاع عن نظام بشار بعد الاحتجاجات التى شهدها الشارع السورى ضده، بدءاً من مارس 2011.
النفوذ الروسى فى المنطقة ليس جديداً، فقد شهدت فترة الستينات تغلغلاً روسياً فى العالم العربى، بعد توجّه الرئيس جمال عبدالناصر -رحمه الله- إلى الروس، للحصول على السلاح والخبرات العسكرية. وقد انتهى هذا المشهد بالمعلومة التى سربها الروس إلى المصريين بوجود حشود إسرائيلية على حدود إسرائيل مع سوريا، وهى المعلومة التى ثبت عدم صدقها بعد ذلك، لكن الرئيس عبدالناصر والمشير عامر سارعا إلى إعلان أن أى تحرك ضد سوريا هو تحرك ضد مصر، فى ظل وجود اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين، وقد تطور الأمر كما تعلم إلى نشوب حرب 1967 بين الكيان الصهيونى ودول المواجهة العربية، أدى إلى نكسة 67.
اختلف الأمر برمته بعد ذلك حين تولى الرئيس السادات الحكم، فقرر تولية وجهه شطر الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، فطرد الخبراء الروس من مصر، وتمكن من الانتصار على إسرائيل فى حرب أكتوبر المجيدة، ثم خاض مفاوضات السلام واسترداد الأرض، التى كان من ضمن نتائجها تحييد الدور المصرى إزاء العربدة الإسرائيلية فى المنطقة.
فبناء تحالفات دولية مسألة شديدة الأهمية بالنسبة لأى دولة. المهم أن تسبق بناء التحالف حسابات سياسية دقيقة، لأن التجربة العربية تقول إن اللجوء إلى أىٍّ من الطرفين الروسى أو الأمريكى لم ينتفع به العرب قدر ما انتفع منه العدو التقليدى للعرب المتمثل فى إسرائيل. ولا أجد اختلافاً كبيراً فى مواقف الروس والأمريكان على مستوى هذا الملف. كما أن التجربة تشير إلى أن تدخل أطراف خارجية فى الدول العربية التى تواجه حكوماتها احتجاجات شعبية أمر غير محمود العواقب.