كان الزعيم مصطفى النحاس عنواناً على حالة «المملكة الأدهمية» خلال فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية.
بدأ رحلته فى الحياة من «سمنود» حيث ولد فى 15 يونيو عام 1879، ونشأ طفلاً فى بيت صوفى، وعندما انتقل إلى القاهرة للدراسة صحبه أبوه إلى مسجد الحسين ووقف أمام ضريح حفيد النبى (صلى الله عليه وسلم) وقال: «لقد سلمت لك مصطفى!».
ويشير البعض إلى أن هذه الواقعة جعلت «النحاس باشا» شديد الحرص على أداء شعائر الدين، حصل على البكالوريا من المدرسة الخديوية، والتحق بكلية الحقوق (كلية الوزراء حينذاك).
ظهر «النحاس» باشا فى فترة شهدت صراعاً ملتهباً بين الأحزاب والقوى السياسية التى تزاحمت على الساحة فى مصر، صدى هذا الصراع مس الطبقة الأعلى من الأداهم المصريين، فأصبح هذا «وفدى» وهذا «سعدى» وهذا «دستورى» وهذا يلعب مع أحزاب القصر وهذا مع الجماعات السرية التى تعمل فوق الأرض وتحتها.
وسط هذه العواصف كان نجم الوفد «النحاس باشا» أحياناً ما يظهر ويلمع وأحياناً ما يخبو، لكن دون غيره من الشخصيات التى ظهرت على مسرح السياسة فى ذلك الوقت احتفظ «النحاس» بلقب الزعيم الأمين على الميراث السياسى للوفد ولزعيمه الأكبر سعد باشا زغلول.
حققت مصر استقلالاً شكلياً بتصريح 28 فبراير 1922، ثم استقلالاً مشروطاً عام 1936.
كلتا الخطوتين لم تلبيا الطموحات أو تتسقا مع التضحيات التى قدمها الشعب. أنتجت ثورة 1919 دستور 1923 ثم ألغى وحل محله دستور 1932، ثم عاد دستور 23 إلى العمل.
كان المشهد السياسى يعج بالعديد من المتناقضات التى تشكل مادة جيدة لإشعال الصراعات التى كان يستفيد منها المحتل من ناحية والملك من ناحية أخرى.
وعلى البعد من هذا المشهد كانت النسبة الغالبة من «الأداهم» المصريين تتابع وتشاهد، ربما كان قلبها مع «النحاس»، لكن عقلها أحياناً ما كان يميل إلى منتقديه، أما «المعدة الأدهمية» فقد كانت تزقزق على شجرة أخرى.
وميزان المعدة من أخطر الموازين التى تحدد اتجاهات بوصلة «أدهم المصرى» ومواقفه من أى شخص أو جماعة أو نظام ملك. فالمعدة دائماً هى بيت الداء عند من تحكمه معادلة «الخبز والهدوء».
«أداهم» المملكة المصرية حينذاك كان مثلهم مثل كل الأوادم فى مجتمعات العالم المختلفة.
فالناس العادية فى كل زمان ومكان ينبع تفكيرها من معدتها، ولها عذرها الكبير فى ذلك، فأنى للآدمى أن يحيا بلا خبز؟، لكن المسألة لدى أدهم المصرى تختلف نسبياً فقيمة الخبز عنده تعادل قيمة الحياة، إلى درجة أن أطلق على الرغيف وصف «العيش»، لأنه فى نظره إكسير الحياة، وهو على استعداد للتسامح فى أمور عديدة تخص كينونته كآدمى فى سبيل الخبز.
لذا فقد كان من الطبيعى أن يقترب خلال فترة ما بين الحربين ممن يجيد التخاطب مع معدته.
وقد كان «النحاس» باشا زعيم الوفد حينذاك واعياً بهذا البعد من أبعاد التفكير الأدهمى، وقد وصفه الكاتب «حافظ عباس» بـ«زعيم الفقراء» ليشير إلى حبه لـ«الأداهم الكادحة» ومبلغ حرصه على قوت يومهم وحقهم فى الحياة الكريمة، لكن حدث بين الحربين أن تسلل إلى معدة «أدهم» ثم عقله وقلبه من هو أشد وأخطر بكثير من الوفد وزعيمه الكبير.