توقيت القاهرة المحلي 20:47:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأب الغائب

  مصر اليوم -

الأب الغائب

بقلم: د. محمود خليل

منذ أن خرج طريداً من البيت الكبير، ظل «أدهم» -بطل الحكاية الأولى من أولاد حارتنا- يبحث عن أب يجد فيه حسم الجبلاوى حين تحتاج الأمور إلى حسم، ويحس معه بالرحمة حين تدهمه يد الحياة القاسية، فيشعر بالحاجة إلى يد حانية تقيل عثرته. رأى الكثير من «الأداهم المصريين» فى سعد باشا صورة الأب الغائب فدانوا له بالسمع والطاعة ورفعوه إلى مصاف عليا. يئس الناس من نموذج «الفتوة»، الذى جسده «عرابى»، واكتشف «الأداهم» خواءه مع أول معركة خاضها ضد فتوات الاحتلال دفعهم إلى البحث عن أب يأنسون إليه، يتحدث باسمهم ويسوس أمورهم، ويشكلون هم مصدر الحماية له. لم يجدوا هذا النموذج فى «عرابى»، الذى عاد من منفاه فى سيلان، وعاش ما يقرب من 10 سنوات دون أن يأبه له أحد حتى وافته المنية عام 1911، كذلك لم يجدوه فى محمد فريد الذى قاد نضال الحزب الوطنى بعد وفاة مصطفى كامل (1908)، وجد الأداهم النموذج الذى يبحثون عنه فى سعد باشا الشيخ الطاعن فى السن، أشيب الشعر، الذى ينطق وجهه بالوقار وخبرة السنين، فاتخذوه أباً فعظّموه وبجّلوه وقد لا نبالغ إذا قلنا قدّسوه.

لم يكن «سعد» فى نظر المصريين بشراً عادياً، بل كان إنساناً استثنائياً. حكى موسيقار الأجيال فى أحد البرامج التليفزيونية أن أمير الشعراء أحمد شوقى اصطحبه ذات يوم لزيارة سعد باشا، رأى أمامه طبقاً من المكسرات يأكل منه، نظر إلى الباشا الكبير فى دهشة، لكن سرعان ما فسر الأمر -كما يحكى- على أن «سعد» ليس مخلوقاً عادياً يأكل الطعام التقليدى الذى يطعمه الناس، بل يعيش على «المكسرات»، فهو ليس كغيره من البشر. عاش «عبدالوهاب» بهذه الفكرة حتى فهم فيما بعد أن سعد باشا كان يأكل الفستق واللوز وخلافه ليقاوم مرض السكر الذى يسبح فى دمه. هذه النظرة تعمّقت داخل «الأداهم» فوجدوا فى الشيخ الطاعن الأب، وفى زوجته صفية هانم ابنة أكبر عميل للإنجليز أماً لكل المصريين، أما بيته فلم يكن من العجيب أن يطلقوا عليه وصف «بيت الأمة»، وكأنهم أرادوا أن يستعيدوا ذكرى البيت الكبير الذى شيّده «الجبلاوى». كان القول دائماً ما قال «سعد». وآخر ما يزعم «الأداهم» أن «سعد» قال تلك الجملة التى ذهبت مذهب الأمثلة السيّارة، وهى جملة «مفيش فايدة»، تلك التى تتردد على ألسنتهم، كلما استبد بهم اليأس.

يرى نجيب محفوظ صاحب «أولاد حارتنا» أن سعداً كان شخصية فريدة من نوعها، فهو الإنسان الذى اعترف بنقاط ضعفه، وخاض رحلة تسامى فيها على ذاته حتى أصبح أمل جميع المصريين. والمتأمل للجزء الخاص بشخصية «سعد» فى رواية: «أمام العرش» لنجيب محفوظ يشعر بأنه أمام كاتب عرف كيف يعبر عن زعيم. يقول «محفوظ» على لسان أوزوريس، رئيس محكمة التاريخ لـ«سعد باشا»: «إنك أول مصرى يتولى الحكم منذ العهد الفرعونى، وتوليته بإرادة الشعب، من أجل ذلك أهبك حق الجلوس بين الخالدين من أجدادك». لقد نجح «سعد» ولو نسبياً فى تحقيق حلم «أدهم» بالجلوس على مقعد السلطة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأب الغائب الأب الغائب



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:14 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا
  مصر اليوم - محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:57 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

دليل بأهم الأشياء التي يجب توافرها داخل غرفة المعيشة

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

GMT 10:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز 5 ضحايا لهيمنة ميسي ورونالدو على الكرة الذهبية

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 10:39 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

أبوظبي وجهة مثالية لقضاء العطلة في موسم الشتاء الدافئ

GMT 03:57 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 منتخبات عربية في صدارة مجموعات تصفيات كأس العالم 2026
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon