توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأب الغائب

  مصر اليوم -

الأب الغائب

بقلم: د. محمود خليل

منذ أن خرج طريداً من البيت الكبير، ظل «أدهم» -بطل الحكاية الأولى من أولاد حارتنا- يبحث عن أب يجد فيه حسم الجبلاوى حين تحتاج الأمور إلى حسم، ويحس معه بالرحمة حين تدهمه يد الحياة القاسية، فيشعر بالحاجة إلى يد حانية تقيل عثرته. رأى الكثير من «الأداهم المصريين» فى سعد باشا صورة الأب الغائب فدانوا له بالسمع والطاعة ورفعوه إلى مصاف عليا. يئس الناس من نموذج «الفتوة»، الذى جسده «عرابى»، واكتشف «الأداهم» خواءه مع أول معركة خاضها ضد فتوات الاحتلال دفعهم إلى البحث عن أب يأنسون إليه، يتحدث باسمهم ويسوس أمورهم، ويشكلون هم مصدر الحماية له. لم يجدوا هذا النموذج فى «عرابى»، الذى عاد من منفاه فى سيلان، وعاش ما يقرب من 10 سنوات دون أن يأبه له أحد حتى وافته المنية عام 1911، كذلك لم يجدوه فى محمد فريد الذى قاد نضال الحزب الوطنى بعد وفاة مصطفى كامل (1908)، وجد الأداهم النموذج الذى يبحثون عنه فى سعد باشا الشيخ الطاعن فى السن، أشيب الشعر، الذى ينطق وجهه بالوقار وخبرة السنين، فاتخذوه أباً فعظّموه وبجّلوه وقد لا نبالغ إذا قلنا قدّسوه.

لم يكن «سعد» فى نظر المصريين بشراً عادياً، بل كان إنساناً استثنائياً. حكى موسيقار الأجيال فى أحد البرامج التليفزيونية أن أمير الشعراء أحمد شوقى اصطحبه ذات يوم لزيارة سعد باشا، رأى أمامه طبقاً من المكسرات يأكل منه، نظر إلى الباشا الكبير فى دهشة، لكن سرعان ما فسر الأمر -كما يحكى- على أن «سعد» ليس مخلوقاً عادياً يأكل الطعام التقليدى الذى يطعمه الناس، بل يعيش على «المكسرات»، فهو ليس كغيره من البشر. عاش «عبدالوهاب» بهذه الفكرة حتى فهم فيما بعد أن سعد باشا كان يأكل الفستق واللوز وخلافه ليقاوم مرض السكر الذى يسبح فى دمه. هذه النظرة تعمّقت داخل «الأداهم» فوجدوا فى الشيخ الطاعن الأب، وفى زوجته صفية هانم ابنة أكبر عميل للإنجليز أماً لكل المصريين، أما بيته فلم يكن من العجيب أن يطلقوا عليه وصف «بيت الأمة»، وكأنهم أرادوا أن يستعيدوا ذكرى البيت الكبير الذى شيّده «الجبلاوى». كان القول دائماً ما قال «سعد». وآخر ما يزعم «الأداهم» أن «سعد» قال تلك الجملة التى ذهبت مذهب الأمثلة السيّارة، وهى جملة «مفيش فايدة»، تلك التى تتردد على ألسنتهم، كلما استبد بهم اليأس.

يرى نجيب محفوظ صاحب «أولاد حارتنا» أن سعداً كان شخصية فريدة من نوعها، فهو الإنسان الذى اعترف بنقاط ضعفه، وخاض رحلة تسامى فيها على ذاته حتى أصبح أمل جميع المصريين. والمتأمل للجزء الخاص بشخصية «سعد» فى رواية: «أمام العرش» لنجيب محفوظ يشعر بأنه أمام كاتب عرف كيف يعبر عن زعيم. يقول «محفوظ» على لسان أوزوريس، رئيس محكمة التاريخ لـ«سعد باشا»: «إنك أول مصرى يتولى الحكم منذ العهد الفرعونى، وتوليته بإرادة الشعب، من أجل ذلك أهبك حق الجلوس بين الخالدين من أجدادك». لقد نجح «سعد» ولو نسبياً فى تحقيق حلم «أدهم» بالجلوس على مقعد السلطة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأب الغائب الأب الغائب



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon