بقلم: د. محمود خليل
كان لمبارك وجه وطلة أثارت شغف المصريين بإطلاق النكات، لكن الملامح لم تكن تنبئ بحال عن حقيقة الشخصية المركبة التى امتاز بها الرجل. سُئل «مبارك» من بعض الصحفيين الأمريكيين فى أول زيارة يقوم بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية -بعد تولِّى الحكم- حول هويته السياسية وهل هو أقرب إلى عبدالناصر أم إلى السادات، فأجاب بعبارته الشهيرة: «اسمى حسنى مبارك». الإجابة تقول إن الرجل أراد التأكيد أنه يملك شخصية مختلفة عن سلفَيه الراحلين. وهى إجابة تحمل جانباً لا بأس به من الحقيقة. فقد كان «مبارك» بالفعل مختلفاً.
بدا صوت «مبارك» -وهو يطل على الأداهم- هادئاً مقارنة بصوت جمال عبدالناصر المفعم بالحماسة والهادر فى قوة وثقة، وصوت أنور السادات وما اتسم به من عصبية فى أحوال الغضب. صوت «مبارك» كان مرتكزاً وبارداً وبريئاً من الانفعال. بدت خطابات «مبارك» أيضاً أكثر انضباطاً من سلفَيه. فقد ظل يحرص على تلاوة رسالته إلى الأداهم من نص مكتوب، نادراً ما يخرج عنه، خلافاً لسلفَيه الأكثر ميلاً إلى الارتجال وإلى الحكى. كان لدى عبدالناصر والسادات ما يمكن أن يحكياه لأهل الأدهمية، وكان الأهلون يتسلون بهذه الحكايات، بسبب شغفهم بالحكاوى، أما الرئيس الجديد فليس لديه حكاوى يمكن أن يشنف بها الآذان، بسبب غلَبة الطابع الوظيفى على تجربته الحياتية.
لم يكن مبارك -خلافاً لناصر والسادات- يحب المفاجآت، بل يميل إلى ترك الأمور تسير كما تسير. عاش الأداهم فى ظل حكم عبدالناصر العديد من الأحداث الكبرى، شملت قرارات وحروباً وتحولات اجتماعية واقتصادية كبرى، والأمر نفسه ينطبق على عصر السادات الذى عجَّ بالمفاجآت التى أدار بعضها رؤوس الأداهم وأفقدها توازنها لبعض الوقت. فى المقابل بدت شخصية الرئيس الجديد مختلفة، حيث أشارت سيرته الأولى فى الحكم إلى أنه يريد ترك كل شىء على ما هو عليه، فترك عجلة حكم الرئيس السادات تكمل سيرها تحت مظلة النظام الجديد. ويبدو أنه اعتبر أن تغيير الاتجاه قد يؤدى إلى مفاجآت غير مأمونة العواقب. كانت كلمتا «التنمية والاستقرار» الأكثر تداولاً على لسان «مبارك» خلال سنىّ حكمه الأولى. وهما كلمتان ثقيلتان فى الميزان الأدهمى. فهو يريد تنمية تنعش حياته بعد أن وصلت قدرته الشرائية إلى طريق مسدود وتردَّت الخدمات بصورة غير مسبوقة أواخر عصر السادات، وهو يخشى القلاقل والاضطرابات لأنه تعوَّد الحياة الهادئة المستقرة حتى ولو كانت راكدة ساكنة.
تجربة الأعوام الثلاثين من حكم «مبارك» للأدهمية تقول إنه تأثر بشكل واضح بتجربة «السادات» وبدت الكثير من توجهاته السياسية والاقتصادية مداً للعديد من الخطوط التى بدأت فى عصر الرئيس السابق، لكنه كان حريصاً كل الحرص على الابتعاد عن بعض الأمور التى ورَّط فيها السادات نفسه وكانت سبباً فى غضب الأداهم عليه، فبدأ عصره بالإفراج عن معتقلى سبتمبر، كما حكيت لك، ولم يتهور فى اتخاذ قرارات أخرى تقلق الأداهم، مثل إلغاء الدعم أو زيارة إسرائيل، بالإضافة إلى ملفات أخرى بدا فيها حريصاً على إيثار السلامة والبعد عن إغضاب «الأداهم».