توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الوالى الوالد

  مصر اليوم -

الوالى الوالد

بقلم: د. محمود خليل

أواخر أيامه انطفأ عقله المتوقد. عن الوالى محمد على باشا الكبير أتحدث. كان للتقدم فى العمر وتمكن المرض منه أثر بالغ على قدرته العقلية، فأصبح حديثه فى أحيان أقرب إلى الهذيان. كان قد ترك الحكم أواخر عمره لولده المقاتل الكبير إبراهيم باشا، لكن إرادة الله شاءت أن يتوفى الوالى الجديد بعد أشهر وعلى حياة عين أبيه الوالى الكبير. بعد وفاة إبراهيم تولى عباس حلمى بن طوسون أمر مصر، وذلك عام 1848.

فى تلك الأثناء كان الوالى الوالد الذى أنجب والياً مات، وحفيداً يحكم، يرقد فى قصر رأس التين بالإسكندرية مشوَّش العقل زائغ الإحساس، يعتصره الحزن بسبب ضياع الأراضى والبلاد التى امتد نفوذه إليها، جرّاء تكالب الدولة العثمانية والدول الأوروبية عليه، واتفاقهم على تقليم أظافره، وسجن حلمه فى تكوين إمبراطورية كبرى داخل مصر والسودان، وزاد من حزنه الألم الممض الذى اجتاحه بعد وفاة ولده الأثير وصانع أمجاده العسكرية إبراهيم باشا. لم يكن الوالى الوالد أيضاً بريئاً من اليأس. وما أضيع النفس التى يعشش فيها الحزن إلى جوار اليأس. كان مؤسس مصر الحديثة يائساً كل اليأس من قدرة أبنائه وأحفاده على استكمال مشروعه أو الحفاظ على ما تبقى منه. وهكذا مكث الوالى الكبير داخل إحدى الغرف بالقلعة يجتر أحزانه ويأسه حتى كان يوم 2 أغسطس عام 1849.

وافق 2 أغسطس من هذا العام يوم 13 من رمضان عام 1265 هجرية، كان «أدهم المصرى» قد نسى خلال ذلك حضرة الوالد الوالى الكبير محمد على. فى ذلك التوقيت كان «أدهم» غارقاً فى طقوسه الرمضانية المعتادة، لا يظهر فى الشوارع، ولا يفتح الحوانيت إلا قرب العصر -كما يصف ويليام لين فى كتابه «المصريون المحدثون»- ومن لا تسوقه الحاجة إلى الأسواق يتمدد أمام منزله منتظراً أذان المغرب. وسواء كان فى الأسواق أو فى الأزقة أو ممدداً أمام البيوت لم يكن «أدهم» يطيق الاستماع أو الحديث إلى الآخرين طيلة نهار رمضان، لكنه يتحول بعد المغرب إلى شخص آخر يشبه فى رقته الريح المرسلة. كل ما كان يشغل أدهم حينذاك كيف يستهلك ساعات نهاره وكيف يأنس ويسعد ويبتهج وينطلق فى ساعات ليله حتى يدهمه صوت «المسحراتى» لينبهه للاستعداد لصيام يوم جديد، يأكل ما شاء له الهوى حتى أذان الفجر، ثم يخلد إلى النوم حتى إذا استيقظ انخرط من جديد فى حالة الضجر والفلتان العصبى الناتجة عن الصوم، فيعزف عن العمل أو عن التفاعل مع الآخرين، ويستغرق فى حساب الساعات المتبقية على المغرب.

فى هذه الأجواء نادى المنادى فى شوارع المحروسة وأزقتها وأسواقها أن «الدوام لله.. مات الوالى الكبير محمد على باشا.. وسوف يُدفن جثمانه بعد الصلاة عليه بمسجده الذى بناه بالقلعة». كتب التاريخ لا تصف كيف كانت جنازة محمد على، والسكوت عن الذكر يعنى أن الحدث مر مرور الكرام. ربما يكون بعض المصريين الصائمين قد تساءلوا: وهل كان على قيد الحياة حتى لحظة الإعلان؟. وكأن ترك الحكم معناه الموت فى نظر «أدهم»، ربما ذكر آخرون فترة حكمه التى امتدت لما يزيد على 4 عقود كاملة فاستطالوا عمره، وربما سخر بعض الأداهم من «أداهم» أمثالهم حزنوا على وفاة حضرة الوالد الكبير عن عمر يناهز 83 عاماً بالمثل الأدهمى الشهير: «من مات صغير مات نبى كل الناس تبكى عليه.. ومن مات كبير مات هابيل كل الناس تضحك عليه».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوالى الوالد الوالى الوالد



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon