بقلم: د. محمود خليل
فى 20 من نوفمبر الجارى يمر 40 عاماً كاملة على حادث احتلال «جهيمان العتيبى» وأنصاره للحرم المكى (1979). ذلك الحدث الذى زلزل أمة الإسلام من مشرقها إلى مغربها وواجهه المسلمون الذين عاصروه بحالة غير مسبوقة من الذهول والدهشة. ولكى نفهم أبعاد «واقعة جهيمان» بصورة أعمق لا بد أن نعود إلى الوراء (أى قبل عام 1979) 68 عاماً لكى نسترجع المشهد داخل نجد والحجاز ونفاجأ مع مطلع العقد الثانى من القرن العشرين وتحديداً عام 1911 بظهور جماعة تُدعى «الإخوان» -قبل ظهور جماعة الإخوان فى مصر عام 1927 بسنين- كانت عبارة عن ميليشيا مسلحة انضمت إليها عدة قبائل تبنَّت الفكر الوهابى ورفعت شعارات: الجهاد، والولاء والبراء، وغير ذلك من مصطلحات تسكعت فيما بعد داخل أدمغة أمراء الجماعات الإسلامية على اختلاف أشكالها وألوانها.
فى الوقت الذى ظهرت فيه جماعة «الإخوان» أو «إخوان من أطاع الله» -كما أطلق عليها فى أحوال- كان الملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة قد بدأ صراعاً مريراً مع أسرة «آل رشيد» التى كانت تسيطر على نجد وحائل. وقد هداه فكره إلى الاستعانة بالوهابيين المتعصبين من «الإخوان» وكوَّن منهم ميليشيا مسلحة أطلق عليها «جيش الإخوان» ساعدته بكل طاقتها وحماسها الذى كان يرقى فى بعض الأحوال إلى مرتبة التعصب الدينى الشديد فى القضاء على دولة «آل رشيد» والسيطرة على الجزيرة العربية. ورغم العلاقة الوطيدة التى ربطت بين الطرفين فإن الملك عبدالعزيز بدأ يشعر منذ عشرينات القرن الماضى بأن «جيش الإخوان» أصبح عبئاً عليه، بسبب رفعهم لشعار «الثورة المستمرة» و«جهاد لا يتوقف» فى وقت توجَّه فيه إلى التفاهم مع بريطانيا والعديد من القوى الإقليمية الأخرى لإقامة علاقات متوازنة معها. وفى مواجهة رفض «الإخوان» للتوجه الجديد اتجه الملك عبدالعزيز إلى سحقهم، وبدأ فى الاستعانة بالوهابيين الأقل تعصباً والأكثر قدرة على تفهُّم خطواته الاحتوائية فى سبيل توطيد أركان ملكه. وكان من أكثر المعارضين للتوجه الجديد للملك عبدالعزيز «سلطان بن بجاد» زعيم قبيلة عتيبة، وكانت تشكل ضلعاً مهماً من أضلاع «جيش الإخوان»، لكن الملك استطاع القضاء على تمرده لينتهى عصر «إخوان من أطاع الله».
عندما وصلنا إلى عام 1979 كان قد مر على تمرُّد سلطان بن بجاد العتيبى على الدولة السعودية ما يقرب من نصف قرن من الزمان، حين تسلل جهيمان العتيبى وأنصاره مع فجر الأول من شهر المحرم عام 1400 هجرية إلى المسجد الحرام ليعلن ظهور المهدى المنتظر «محمد بن عبدالله القحطانى» ويدعو المسلمين داخل الحرم إلى مبايعته. انتشر أتباع «جهيمان» بعد ذلك فى أنحاء الحرم شاهرين السلاح وأغلقوا أبوابه وأسروا كل مَن فيه، وزُلزل العالم الإسلامى جراء الخبر الخطير. والسؤال هل ثمة علاقة بين لقب «العتيبى» الذى حمله «جهيمان» واللقب ذاته الذى حمله سلطان بن بجاد أحد أقطاب جيش الإخوان فى عهد الملك عبدالعزيز؟ قد يذهب البعض إلى أن المسألة لا تعدو التشابه فى اللقب أو الانتماء إلى ذات القبيلة، وهو كلام صحيح، لكن من المهم ألا نهمل أن كليهما تبنى فكراً «إقصائياً» واضحاً أسسه على «إيمان وهابى» بفكرة «الجهاد الذى لا يتوقف» والتعصب السلفى، وسوف تثبت الأحداث أن «جهيمان» لم يكن -وهو يحتل الحرم- بعيداً عن «سلطان».
وقد يهمك أيضًا:
الحالمون والواقعيون
الضابط النبيل