توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«أدهم» العاطفى

  مصر اليوم -

«أدهم» العاطفى

بقلم: د. محمود خليل

تجربة المماليك فى حكم مصر التى تواصلت لقرون مديدة من الزمن كانت من التجارب الموجعة للمصريين، فقد عانوا الكثير من مظالم حكامهم، نعم ظهر من بين هؤلاء الحكام مَن سار بالعدل بين المصريين ودافع عن البلاد دفاعاً مستميتاً، إلا أن الكثير منهم سلكوا غير هذا المسلك فأرهقوا الشعب بالفرض والمغارم وحاصروه بالنهب والسلب وتركوه فريسة للشطار والعيارين ليستولوا على ما تبقى لديه من فتات، ويبدو أن ميزتهم الكبرى فى نظر هذا الشعب أنهم لم يتدخلوا فى شئونه وتركوه يعيش الحياة كما يهوى، يعمل أو يقعد، يدخن أو يتخدر، يصلى أو يصوم أو يتصوف، ينغمس فى الموالد ويستغرق فى الاحتفاليات أو يتمرغ وراء درويش أو رجل من أحباب الله، يتمدد على باب داره أو ينام فى الجامع كما ينام فى البيت، يبنى مقابره إلى جوار مساكنه، يسرق مَن يسرقه أو ينهب مَن ينهبه دون أن تطاله يد. أكثر ما كان يؤرق «أدهم المصرى» فى ظل الحكم المملوكى الفرض والمغارم التى كانت تحرمه من الحياة المسترخية التى لا تتطلب منه بذل مجهود كبير، بالإضافة إلى غياب الأمن وجعله عُرضة للاستباحة فى أى وقت.

هذا الفريق الذى عاش وتناسل فى مصر من المماليك مثّل الخصم السياسى الأكبر لمحمد على، وكاد يطيح به خلال السنوات الأولى لحكمه لولا تدخُّل الأقدار ووفاة الضرس المملوكى الكبير محمد الألفى. فى عام 1811 كان الباشا قد أمضى 6 أعوام كاملة والياً على مصر، حين قرر التخلص من المماليك فى ضربة واحدة، وتم له المراد خلال المأدبة الكبيرة التى أقامها بالقلعة احتفالاً بخروج جيش ولده «طوسون» إلى الجزيرة العربية لقتال الوهَّابيين. تعلم التفاصيل التى أحاطت بهذا الحدث الكبير، لكن ثمة تفصيلة يصح أن نتوقف أمامها ونحن نحلل شخصية «أدهم المصرى»، وتتمثل فى ردة الفعل الشعبى على المذبحة الكبرى للمماليك.

يتحدث «الجبرتى» بقدر من التعاطف وهو يصف أحداث المذبحة ويقول: «وأسرف الجنود فى قتل المصريين -يقصد المماليك المصرية- وسلب ما عليهم من الثياب ولم يرحموا أحداً يظن الالتجاء به والاحتماء فيه، فأظهروا كامن حقدهم وضبعوا فيهم». ويشير «الجبرتى» إلى أن دور أولاد البلد من المصريين فى هذه المذبحة لم يزد على دور المشاهد أو المتفرج، ويقول: «عندما أغلق باب القلعة وسمع مَن بالرميلة الرصاص وقعت الكرشة (الفزع) فى الناس، وهرب من كان واقفاً بالرميلة من الأجناد فى انتظار الموكب، وكذلك المتفرجون، واتصلت الكرشة بأسواق المدينة فانزعجوا وهرب مَن كان بالحوانيت لانتظار الفرجة، وأغلق الناس حوانيتهم، وليس لأحد علم بما حصل، وظنوا ظنوناً». هكذا الشعوب دائماً تميل إلى «الفرجة»، ولكن عندما يحتدم الأمر ويحصل التهديد، تهرول إلى الاختباء.

كذلك حال «أدهم المصرى» فمثله كمثل أى إنسان يدفعه الخوف إلى الاختباء. ومن عجيب خصاله أنه يبادر إلى التعاطف وقت الموت حتى مع مَن يصنفهم فى فئة «الظالمين له»، لكن من جهة أخرى لا بد من التنبه إلى أن التعاطف الذى أبداه بعض المصريين مع المماليك حينذاك مثّل الوجه الآخر لتعبير قطاع من «الأوادم» المصريين عن عدم رضائهم عن الإجراءات التى ترتبت على الخطوات النهضوية التى تبنَّاها الوالى محمد على أوائل سنى حكمه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أدهم» العاطفى «أدهم» العاطفى



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon