بقلم: د. محمود خليل
عندما قامت الثورة الخومينية بإيران عام 1979 هلل الكثيرون داخل العالمين العربى والإسلامى -خصوصاً التيارات الإسلامية- لما أطلقوا عليه «الثورة الإسلامية». حاول بعضهم فيما بعد أن يقلدها ويعيد إنتاجها دون وعى باختلاف طبائع المجتمعات وظروفها والسياقات الحاكمة لها. تنظيم الجهاد الذى قاده محمد عبدالسلام فرج (1981) كان يتحرك بـ«الحلم الإيرانى»، واختار الدكتور عمر عبدالرحمن أميراً له، واعتبره «خومينى مصر». اغتال الجناح العسكرى للتنظيم الرئيس أنور السادات (رحمه الله)، ثم تحركت العناصر المدنية إلى الشارع لتثوير الناس فى القاهرة وأسيوط فلم تجد مواطناً واحداً يساندها، واستيقظ التنظيم على الوهم الكبير الذى عاشه.
نظام الشاه محمد رضا بهلوى (1941- 1979) كان نظاماً استبدادياً قمعياً يعتمد على جهاز شرطة سرية يطلق عليه «سافاك» فى قهر المواطن الإيرانى والسيطرة عليه. وقد أسسه الشاه ليكون وسيلة لإخماد أى هبات شعبية فى مهدها. اتهم الجهاز بارتكاب جرائم تعذيب وقتل وسجن وتشريد فى حق المواطنين. وعندما سيطر الخومينى على أمر إيران عام 1979 كان أول قرار اتخذه رئيس الوزراء حينذاك حل هذا الجهاز. تفاءل الكثيرون من داخل إيران وخارجها بالتوجه الجديد وتحدثوا عن قيمة وأهمية الثورات فى دعم الحريات والحقوق الفردية والاجتماعية، لكن الخومينى ونظامه لم يلتفتا إلى هذه الثرثرة. وسرعان ما أثبتت التجربة أن المذهبية فى إيران تسبق الحرية وتفوق ما عداها من قيم حديثة. تمت كتابة دستور جديد للبلاد تصدره النص على أن التشيع على المذهب الاثنى عشرى هو دين الدولة. وبمرور الوقت بدا للجميع أن الثورة الإيرانية مجرد ثورة مذهبية، وأن الحكام الجدد لا يختلفون عمن سبقهم. فالكل يتشارك فى السقوط فى شرك «نزوات» قادرة على تدمير الشعوب. والجميع يتفق على أن القمع هو الوسيلة الأنسب للتعامل مع الشعوب!
تحكمت نزوة «الحكم الإمبراطوى» فى شخص الشاه محمد رضا بهلوى، فدفعته إلى إلغاء الأحزاب وبناء دولة الرجل الأوحد الجالس على «عرش الطاووس»، ودفع المواطن بالطبع ثمن النزوة. أما حكام الثورة التى وصفت بـ«الإسلامية» فقد سيطرت عليهم «نزوة المذهب»، فحاولوا تصدير التشيع إلى الدول المجاورة، واجتهدوا فى زرع جيب شيعى داخل كل دولة من الدول المهمة بالنسبة لهم. سعوا إلى التطوير العلمى والتكنولوجى، وكان ذلك أمراً محموداً، لكنهم لم يستخدموه لصالح المواطن بل وظفوه لخدمة «النزوة المذهبية»، واعتبروه أداة ردع للدول المجاورة التى يستهدفون وضع يدهم عليها. تحدى ملالى إيران الولايات المتحدة الأمريكية فقوبل ذلك بالترحاب من قطاع لا بأس به من العرب الذين اكتووا بالسياسات الأمريكية، لكن الحصار المفروض عليهم كمقابل لهذا التحدى أدى إلى إرباك الأوضاع الاقتصادية بالبلاد على مدار السنوات الماضية. وكانت النتيجة أن هب الشعب الإيرانى محتجاً ومتظاهراً على سياسات الحكومة التى أفقرته. بعد 40 عاماً من ثورة الشعب الإيرانى على نظام النزوات الشاهنشاهى اندفع الإيرانيون إلى الشوارع من جديد رافضين أن تكون حياتهم ومعيشتهم ثمناً لنظام النزوات المذهبى. وكما كان الشاه يخرج لهم الشرطة السرية «سافاك» لتقتل وتعتقل وتشرد أخرج الملالى الحرس الثورى ليقوم بنفس الفعل. المجتمعات التى يسيطر عليها الحكام أصحاب النزوات هى ببساطة مجتمعات «الرجل الواحد» التى تفتقر إلى قواعد مؤسسية تبنى سياسات حقيقية لصالح المواطن، وهى أيضاً المجتمعات المستعصية على الاستقرار.