توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المداراة والمماشاة والأبوية

  مصر اليوم -

المداراة والمماشاة والأبوية

بقلم: د. محمود خليل

كان محمد على يفهم المعالم الثقافية لشخصية «أدهم المصرى»، وقد عاينها بنفسه من خلال احتكاكه بنخبة المصريين الذين تعلموا فى المدارس والبعثات، وأراد أن يجعل منهم واحدة من روافع مشروعه النهضوى. كثيراً ما كان الوالى يلوم على أفراد هذه النخبة ترسخ بعض خصال «أدهم المصرى» بداخلهم. يذكر «شفيق غربال» فى كتابه محمد على الكبير أن الباشا كان فى حالات التقصير يقول للنخبة المحيطة به: «ولْتعلموا أنكم إذا لم تحوّلوا من خصالكم القديمة من الآن فصاعداً، ولم ترجعوا من طرق المداراة والمماشاة، ولم تقولوا الحق فى كل شىء، ولم تجتهدوا فى طريق الاستواء، ولم تسلكوا سبيل الصواب لصيانة ذات المصلحة، فلا بد لى من أن أغتاظ منكم جميعاً. وإذا كنت موقناً من تقدم هذا الوطن العزيز على أى صورة كانت وملتزماً فريضته علىَّ صرت مجبوراً على قهر كل من لم يسلك هذا الطريق المستقيم اضطراراً مع حرقه كبدى وسيل الدموع من عينى، فالذى أرجوه من الخالق -سبحانه وتعالى- أن يجعل نصيحتى هذه مؤثرة فى قلوبكم، حتى أشاهد منكم حُسن الحركة، وأعاين ما تستحقونه من الخير، وتقر عيناى بامتياز كل منكم حسب أقصى أملى».

المداراة والمماشاة أكبر مرضين عانى منهما الوالى وهو يتعامل مع أدهم المصرى. فعبر تجربته التاريخية المديدة احترف «أدهم» إخفاء مشاعره ومواقفه واتجاهاته (المداراة)، و(مماشاة) الواقع حتى ولو لم يكن مقتنعاً به، لأنه ببساطة يريد الراحة أو بالتعبير المعاصر «شراء رأسه». كان من العسير أن يستقيم هذا النمط من التفكير -البعيد عن الصدق والمصارحة- مع الوالى صاحب المشروع الكبير. محمد على فى المشهد السابق يحاول نصح النخبة بالتحرر من «المداراة والمماشاة»، وهو يهدد مَن لا ينفع معه النصح بأن يضطره إلى ذلك اضطراراً مع شفقته وانفطار قلبه عليه!. الوالى كان طموحاً ولا شك، لكن يبدو أنه لم يستوعب أن ما نسجه الدهر فى قرون لا يغيره شخص فى بضع سنوات. كان محمد على أشبه بحضرة الوالد -فى رواية أولاد حارتنا- الذى نظر إليه ولده «أدهم» نظرة إجلال واحترام، لكنه كان يحتار فى شخصيته التى تمزج بين القدرة الباطشة والرحمة والحنان الذى لا يحده ضفاف.

ومن جهته كان محمد على يضع نفسه فى صورة الأب الأعلم بما يحتاجه صغاره، والأقدر على تحقيق مصالحهم، والأكثر استيعاباً لما يصلح وما لا يصلح لهم. ومن هنا بنى علاقته بالأوادم المصريين تأسيساً على معادلة «الأبوة/البنوة». تأمل هذا المقطع الذى يناجى فيه الوالى صغاره قائلاً: «تعلمون أنى قد ناهزت سن الثمانين ولست فى تمنّى شىء لنفسى، بل كان تركى للنوم والراحة وبذلى لاجتهادى ليلاً ونهاراً إنما هو من أجل سعادتكم. وحيث إنى قد ربيتكم جميعاً من صغر سنكم وعلمتكم القراءة والكتابة فى المكاتب وأوصلتكم إلى ما أنتم فيه من الدرجات وقبلتكم أولاداً لى وصرت لكم أباً بحق، وجب أنكم لا تمتنعون من قبولى أباً لكم، بل تقبلوننى».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المداراة والمماشاة والأبوية المداراة والمماشاة والأبوية



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon