توقيت القاهرة المحلي 19:26:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شيخ الطريقة الأدهمية

  مصر اليوم -

شيخ الطريقة الأدهمية

بقلم: د. محمود خليل

اعتاد لسان «أدهم» على إفراز التعابير الدينية كما يفرز الكبد الصفراء. كل كلام «أدهم» يأتى مكللاً بعبارات يستحضر فيها السماء، فكل أمر بمشيئة الله، وكل شىء بقدر الله، وكل حدث تحركه يد الله، وكل خطوة تحرسها عناية الله، وحين تضل به السبل يحفظه الله، وحتى إذا تعثر فـ«اسم الله عليه». اسم الله يتردد على لسان «أدهم المصرى» فى كل اللحظات والمواقف. التدين اللسانى حالة أدهمية خاصة عادة ما يدارى بها فشله أو إخفاقاته أو أخطاءه أو عجزه، ورغم أن الإيمان بالله هو بالأساس مصدر قوة، نجده عند «أدهم» مظهراً لمداراة ضعفه وستر انكفائه. تعود «أدهم» على «التدين تحت راية» فأصبح دينه شعارات تتردد، وأقوالاً تتكرر، ومسيرة فى ركاب درويش أو شيخ، يصح أن نصفه بشيخ الطريقة الأدهمية.

فى أواخر عهد الخديو إسماعيل تعرضت البلاد لأزمة مالية شديدة فاقترح عليه ناظر ماليته «إسماعيل المفتش» اللجوء إلى الرعية لمساعدته ضد تحرش القوى الأجنبية به، وأن يستعين فى إقناعها بأحد مشايخ «الطريقة الأدهمية». جاء الخديو بالشيخ واستفتاه فى الأمر الذى آلت إليه مالية البلاد ومدى شرعية الاستعانة بمال الرعية فى حل المشكلة، فأفتاه الشيخ قائلاً: «إن الأموال أموال سموكم، وإننا جميعاً بمالنا ونسائنا وأولادنا عبيد لسموكم، والعبد وما ملكت يداه لمولاه». ولأن التدين الأدهمى كلام ولكلكة لسان فإن الرعية لم تفعل شيئاً لباشا مصر، وأخذت الأزمة المالية تتفاقم، فتأخرت رواتب الموظفين، وشحت الأرزاق بصورة أنذرت بما هو أدهى.

بدأت إرهاصات الثورة العرابية، كما تعلم، أواخر عصر «إسماعيل»، واكتمل مشهدها فى عهد خلفه فى الحكم محمد توفيق باشا. وما يهمنا فى موضوع هذه الثورة ليس أحداثها أو تفاصيلها التى نعلمها جميعاً، بل الكيفية التى تفاعل بها «الأداهم المصريون» معها. وأول ما يجب الانتباه إليه فى هذا السياق أن «أدهم» لم يلتفت فى البداية إلى أن هذه الثورة بدأت كفكرة داخل القصر الخديوى أواخر عصر «إسماعيل». فقد جاء «إسماعيل» بأحد مشايخ الطريقة الأدهمية، كما حكيت لك، وسأله فى شأن الاستقواء بالرعية فى مواجهة ضغوط الإنجليز عليه، ورد عليه الشيخ الرد الذى ذكرته. يسجل «ولفريد بلنت» فى كتابه «التاريخ السرى للاحتلال الإنجليزى لمصر» أن الثورة العرابية تمثل «إحدى البدايات اليائسة التى قام بها الخديو إسماعيل عندما اصطدم مع (ولسون) من أجل المحافظة على سلطته وقوته فى مواجهة الوصاية القنصلية، التى أوقعه فيها سوء تصرفه وديونه. حاول الخديو إسماعيل استعادة حسن ظن رعاياه تجاهه، بل راح يناشدهم طالباً منهم العون والمساعدة والتأييد، وليس هناك شك فى أنه تحت ستار المطلب الشعبى حاول أن يتنصل من جزء من الدَين».

الداهية «إسماعيل المفتش»، ناظر المالية الخديوية، كان خبيراً بالنفس الأدهمية، والقوى الدافعة لها، وأولها قوة التعصب الدينى، والتعصب للدين الرفيق الأكثر إخلاصاً لفكرة «التدين اللسانى»، لذا فقد نصح الخديو بالدخول إلى المصريين من خلال أحد شيوخ الطريقة الأدهمية، وكان «المفتش» يعلم أيضاً أن عطش «أدهم» إلى فكرة الإصلاح كبير، وأنه يود العيش الكريم مثل غيره من بنى آدم، وقد ظل سنين مؤمناً بأن سياسات الخديو هى السبب فى تعكر مزاجه المعيشى، لكن «المفتش» تمكن بحرفية من أن يوجه هذه الطاقة السلبية إلى الإنجليز الذين يريدون احتلال البلاد ونهب خيرها. وبهذه الطريقة انتقلت فكرة الثورة العرابية من أروقة القصر الخديوى إلى شوارع وحوارى المحروسة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شيخ الطريقة الأدهمية شيخ الطريقة الأدهمية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon