توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المصـلحة..!

  مصر اليوم -

المصـلحة

بقلم: د. محمود خليل

يبدو أن «أدهم» لم يكن قانعاً بالدخل الثابت الذى حققته له الوظيفة فى عصر الوالى محمد على، فانساق إلى استكمال ما يظن أنه حق له من أموال الدواوين، فمد يداً، واختلس الأموال وسرق المعدات، ونظراً لأن الوالى كان يواجه هذه الأشكال من الفساد بعقوبات حاسمة تشمل السجن والنفى والعزل، فقد قرر «أدهم» أن ينهج نهجاً جديداً فى جمع المال من الوظيفة الميرى، فأغمض عينه عن النظر إلى مال الدواوين، وفنجلها على الآخر وهو ينظر إلى المتعاملين مع الدواوين من التجار والصناع وغيرهم. يقول رزق نورى، صاحب كتاب «الفساد فى عصر محمد على»: «تمدّنا وثائق تلك الفترة -السنوات الأولى لبناء مصر الحديثة- بمعلومات مهمة عن الرشوة فى الدواوين، والتى تورط فيها قطاع كبير من الموظفين من مختلف الفئات الوظيفية من النظار إلى المديرين إلى الكتبة والصرافين.

وبتحليل ظاهرة الرشوة تتّضح لنا شبكة العلاقات التى ربطت أصحاب المصالح من التجار والصناع والبيروقراطيين، فأحد التجار الذين يورّدون الأخشاب لمشروع القناطر الخيرية تم اتهامه بالاحتيال على الحكومة، وأثبتت التحقيقات معه تورّط عدد من الموظفين، منهم هاشم أفندى، ناظر مخزن الترسانة، وكاتب اليومية بالمخزن المذكور».

من عجائب أدهم المصرى أنه كان يصور لنفسه أن «الرشوة» أخف وطأة من «الاختلاس». فمد اليد إلى مال الدواوين كان يتم اكتشافه ومعاقبته عليه، أما مال المتعاملين من الدواوين من التجار والصناع فيشبه «الحسنة المخفية» التى تنفع «أدهم» ولا تزعج الدولة فى شىء!.. هكذا أقنع «أدهم» نفسه بأن الرشوة أهون من الاختلاس، ولم يفهم أن هذا النمط من التفكير ينقله من دائرة الفساد إلى دائرة التخريب. فالقبول بالرشوة يعنى تسليم الدواوين خامات وأدوات قليلة الجودة يمكن أن تؤدى حين الاعتماد عليها إلى خراب مشروعات تتكلف الملايين.

لم يفهم «أدهم» أن الاختلاس والرشوة داءان وبيلان وأداتان قادرتان على هد أى جهد تنموى، وأن الخراب سيصب عنده فى النهاية. لقد بلغ «أدهم» مبلغاً عجيباً وهو يقتات على الرشوة خلال السنوات الأولى لانخراطه فى الوظيفة. وما أكثر ما كان يبرر لنفسه السقوط فى براثنها.

فمنذ أن دهمته الحياة بقسوتها، اعتاد «أدهم» تبرير أى مفسدة يجد نفسه مسوقاً إليها. يقول لنفسه: لقد بذلت ودفعت الكثير ودخلت الوظيفة بالمحسوبية، والمحسوبية لها ثمن لا بد من تحصيله عبر الوظيفة فى «الديوان»، ورغم أن الوظيفة تحقق دخلاً ثابتاً لصاحبها إلا أن هذا الدخل ضعيف قياساً إلى ما كان يحلم به من أن يصبح الديوان معراجاً يطير به إلى حيث الحياة المسترخية فى الحديقة والناى، لذا لا بد من إكمال الناقص عبر الحصول على الرشاوى!. خطا «أدهم» بعد ذلك خطوة أوسع عندما زغزغه ضميره الدينى وسأله: كيف تبرر لنفسك الرشوة، ثم تصلى وتصوم وتحج وتعتمر؟.

فكّر «أدهم» قليلاً، ثم انطلق لسانه بالإجابة: لا تسمها «رشوة».. سمها «شاى أو دخان» حين يكون المبلغ تافهاً.. وسمها «إكرامية» حين يكون المبلغ متوسطاً، وسمها «هدية» حين تكون العطية سمينة، وسمها «نفحة» إذا أردت التبرك، وسمها «حسنة» إذا أردت التقدس.

وهكذا اجتهد «أدهم» فى التبرير والتنويم حتى خلد ضميره إلى النوم العميق، وحتى يكون أكثر اتساقاً مع نفسه بعد أن أصبحت الوظيفة فى الديوان مصدر عزه، فقد قرر أن يسمى «الديوان» بـ«المصلحة»!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المصـلحة المصـلحة



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon