توقيت القاهرة المحلي 22:02:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المصـلحة..!

  مصر اليوم -

المصـلحة

بقلم: د. محمود خليل

يبدو أن «أدهم» لم يكن قانعاً بالدخل الثابت الذى حققته له الوظيفة فى عصر الوالى محمد على، فانساق إلى استكمال ما يظن أنه حق له من أموال الدواوين، فمد يداً، واختلس الأموال وسرق المعدات، ونظراً لأن الوالى كان يواجه هذه الأشكال من الفساد بعقوبات حاسمة تشمل السجن والنفى والعزل، فقد قرر «أدهم» أن ينهج نهجاً جديداً فى جمع المال من الوظيفة الميرى، فأغمض عينه عن النظر إلى مال الدواوين، وفنجلها على الآخر وهو ينظر إلى المتعاملين مع الدواوين من التجار والصناع وغيرهم. يقول رزق نورى، صاحب كتاب «الفساد فى عصر محمد على»: «تمدّنا وثائق تلك الفترة -السنوات الأولى لبناء مصر الحديثة- بمعلومات مهمة عن الرشوة فى الدواوين، والتى تورط فيها قطاع كبير من الموظفين من مختلف الفئات الوظيفية من النظار إلى المديرين إلى الكتبة والصرافين.

وبتحليل ظاهرة الرشوة تتّضح لنا شبكة العلاقات التى ربطت أصحاب المصالح من التجار والصناع والبيروقراطيين، فأحد التجار الذين يورّدون الأخشاب لمشروع القناطر الخيرية تم اتهامه بالاحتيال على الحكومة، وأثبتت التحقيقات معه تورّط عدد من الموظفين، منهم هاشم أفندى، ناظر مخزن الترسانة، وكاتب اليومية بالمخزن المذكور».

من عجائب أدهم المصرى أنه كان يصور لنفسه أن «الرشوة» أخف وطأة من «الاختلاس». فمد اليد إلى مال الدواوين كان يتم اكتشافه ومعاقبته عليه، أما مال المتعاملين من الدواوين من التجار والصناع فيشبه «الحسنة المخفية» التى تنفع «أدهم» ولا تزعج الدولة فى شىء!.. هكذا أقنع «أدهم» نفسه بأن الرشوة أهون من الاختلاس، ولم يفهم أن هذا النمط من التفكير ينقله من دائرة الفساد إلى دائرة التخريب. فالقبول بالرشوة يعنى تسليم الدواوين خامات وأدوات قليلة الجودة يمكن أن تؤدى حين الاعتماد عليها إلى خراب مشروعات تتكلف الملايين.

لم يفهم «أدهم» أن الاختلاس والرشوة داءان وبيلان وأداتان قادرتان على هد أى جهد تنموى، وأن الخراب سيصب عنده فى النهاية. لقد بلغ «أدهم» مبلغاً عجيباً وهو يقتات على الرشوة خلال السنوات الأولى لانخراطه فى الوظيفة. وما أكثر ما كان يبرر لنفسه السقوط فى براثنها.

فمنذ أن دهمته الحياة بقسوتها، اعتاد «أدهم» تبرير أى مفسدة يجد نفسه مسوقاً إليها. يقول لنفسه: لقد بذلت ودفعت الكثير ودخلت الوظيفة بالمحسوبية، والمحسوبية لها ثمن لا بد من تحصيله عبر الوظيفة فى «الديوان»، ورغم أن الوظيفة تحقق دخلاً ثابتاً لصاحبها إلا أن هذا الدخل ضعيف قياساً إلى ما كان يحلم به من أن يصبح الديوان معراجاً يطير به إلى حيث الحياة المسترخية فى الحديقة والناى، لذا لا بد من إكمال الناقص عبر الحصول على الرشاوى!. خطا «أدهم» بعد ذلك خطوة أوسع عندما زغزغه ضميره الدينى وسأله: كيف تبرر لنفسك الرشوة، ثم تصلى وتصوم وتحج وتعتمر؟.

فكّر «أدهم» قليلاً، ثم انطلق لسانه بالإجابة: لا تسمها «رشوة».. سمها «شاى أو دخان» حين يكون المبلغ تافهاً.. وسمها «إكرامية» حين يكون المبلغ متوسطاً، وسمها «هدية» حين تكون العطية سمينة، وسمها «نفحة» إذا أردت التبرك، وسمها «حسنة» إذا أردت التقدس.

وهكذا اجتهد «أدهم» فى التبرير والتنويم حتى خلد ضميره إلى النوم العميق، وحتى يكون أكثر اتساقاً مع نفسه بعد أن أصبحت الوظيفة فى الديوان مصدر عزه، فقد قرر أن يسمى «الديوان» بـ«المصلحة»!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المصـلحة المصـلحة



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:14 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا
  مصر اليوم - محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:57 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

دليل بأهم الأشياء التي يجب توافرها داخل غرفة المعيشة

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

GMT 10:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز 5 ضحايا لهيمنة ميسي ورونالدو على الكرة الذهبية

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 10:39 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

أبوظبي وجهة مثالية لقضاء العطلة في موسم الشتاء الدافئ

GMT 03:57 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 منتخبات عربية في صدارة مجموعات تصفيات كأس العالم 2026
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon