توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحلم الضائع

  مصر اليوم -

الحلم الضائع

بقلم: د. محمود خليل

ضاع حلم «الأداهم» فى التربع على سدة الحكم، بعدما فشلت ثورة «عرابى». الأحداث التى شهدتها المحروسة أواخر عصر الخديو إسماعيل وأوائل عصر توفيق تشهد على أن زعيم الفلاحين كان يفكر فى حكم مصر بصورة أو بأخرى، فقد خطط لاغتيال «إسماعيل»، لكن خطته لم تمض، وحاول خلع «توفيق» من الحكم والتخلص من النظام الموروث عن عصر محمد على وإقامة جمهورية، لكن عوامل محلية ودولية عديدة حالت دون ذلك. وكان المحرك الأول لتفكير «عرابى» فى هذا السياق إيمانه بأن مصر للمصريين وليس للإنجليز أو للسلطنة العثمانية.

كان الخديو سعيد بن محمد على الحاكم الوحيد الذى أحبه وأخلص له «عرابى»، شأنه فى ذلك شأن كافة «الأداهم» المصريين. وسبب ذلك معلوم، فقد سنّ «سعيد» مجموعة من القوانين والتشريعات التى أفادت الفلاح المصرى، ويأتى على رأسها اللائحة السعيدية التى مكّنت الفلاحين من تملك الأرض بعد أن حرمهم الوالى الكبير من ذلك، كما أتيح للفلاحين فى عصره فرص متنوعة للترقى فى صفوف جيش الوالى، وقد نال «عرابى» نصيباً موفوراً على هذا المستوى. كان زعيم الفلاحين يرى نفسه ثمرة للإصلاحات التى قام بها الخديو سعيد، وتشير أحداث التاريخ إلى أنه كان قريباً منه، وأن الخديو اختاره ياوراً خاصاً له.

فى عهد كل من عباس الأول وسعيد تراجع المشروع التحديثى الذى تبناه محمد على بصورة ملحوظة، لكن الأمر اختلف مع تولى «إسماعيل» السلطة فعاد المشروع التحديثى العلوى إلى العمل مرة ثانية. وهو توجّه لم يرض عنه الكثير من «الأداهم». قد يكون السبب فى ذلك ما علمته التجربة لـ«أدهم» من أن «التحديث» من وجهة النظر العلوية يعنى «إهدار الفرد لحساب الدولة» بكل ما تؤشر إليه هذه العبارة من معان، وهو توجه كان يجعل المواطن «الأدهمى» خصماً لأية محاولات للتطوير. والمشكلة أن الفرد البسيط لا يستوعب الرؤى المستقبلية للدولة، والتزامها بالتخطيط والتنظيم من أجل الأجيال القادمة حتى ولو تم ذلك على حساب الجيل الذى يعيش اللحظة. الفرد العادى لا ينظر إلى أبعد من قدميه ولا يفكر بعيداً عن خبز يومه. الأزمة الحقيقية التى واجهها المشروع التحديثى العلوى ارتبطت بالعجز عن الالتقاء فى منطقة وسط تتفهم فيها الدولة الاحتياجات العاجلة للمواطن، ويتفهم فيها المواطن الأهداف البنائية والتحديثية للدولة.

جمح الفرس الأدهمى بطموح «عرابى»، وكذلك «الأداهم» الذين احتشدوا من خلفه. الانتصارات المتتالية التى حققها زعيم الفلاحين أغرتهم بحسم الأمر كاملاً لصالحهم، لذلك فقد كان إحباطهم عظيماً عندما خرّ الفرس بالفارس، وأدركوا أنهم اقتاتوا على الوهم، وأن السيطرة على بيت المحروسة الكبير حلم بعيد المنال. وقد تعوّد «أدهم» فى حالات الإحباط أن يفتش فى ماضيه ويتعلق بحلم استعادته، تماماً مثلما فعل بطل الحكاية الأولى من أولاد حارتنا عندما كان يستدعى فى لحظات الهم والغم التى عاشها فى الخلاء لحظات النعمة والهناء التى عاشها فى البيت الكبير، وقد فتش «أدهم المصرى» فى ماضيه بعد إخفاق الثورة العرابية، فقرر إحياء دولة «عباس حلمى الأول» القائمة على التزمت الدينى والانغلاق على الذات والولاء الكامل للدولة العَلية، ونبذ كل ما يأتى من ناحية الغرب، لأن الغرب لا يأتى بشىء يسر القلب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحلم الضائع الحلم الضائع



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon