توقيت القاهرة المحلي 02:20:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قرآن رمضان بصوت «ساكنة بك»

  مصر اليوم -

قرآن رمضان بصوت «ساكنة بك»

بقلم: د. محمود خليل

قبل أن يبزغ نجم «الست» أم كلثوم خلال القرن العشرين، تربّعت واحدة من أشهر المطربات على سلطنة الطرب داخل مصر المحروسة طيلة القرن الـ19. إنها «ساكنة بك» التى طار صيتها فى جميع أنحاء مصر، وتردد غناؤها فى حوارى وأزقة مصر، كما تردد فى قصورها، وتردد فى قصور مصر، كما تردد فى قصور إسطنبول. وكان رمضان يمثل شهراً شديد الخصوصية فى حياة هذه المطربة التى تمتعت بثراء واضح ميّزها عن غيرها من المنافسين فى دنيا الطرب. فى الدراسة التى نشرها مركز الهلال للتراث الصحفى يذكر «عمرو على بركات» أن «ساكنة بك» اتجهت فى آخر حياتها توجهاً دينياً واستمرت فى قراءة القرآن الكريم ومتابعة مجالس الأدب وكانت تفتح مضيفتها للزائرين فى ليالى رمضان وتقيم الموائد وعُرفت بين الناس بالكرم والجود.

مثلما تعلّم كل أبناء وبنات جيلها داخل الكتّاب، حفظت «ساكنة» الكثير من سور القرآن الكريم. وليس من المستبعد أن تكون قد بدأت حياتها كما ختمتها بتلاوة القرآن والإنشاد الدينى، وهى نفس التجربة التى تكررت مع «الست» أم كلثوم، وغيرها من المطربين والمطربات، بعدها توجهت إلى الغناء. ويحكى «بركات» أن «ساكنة» بدأت حياتها «فاعلة» تحمل المونة، وكانت تمتاز ببنية جسدية قوية، وتغنى للعمال الذين تعمل معهم، واشتهرت بعد ذلك بحلاوة صوتها وقوته. «كان صوتها خشناً لكنه مبهر». وسمة عجيبة تجدها حاضرة فى أصوات العديد من مطربى مصر خلال القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين تتمثل فى الأصوات الخشنة العميقة القادرة على التلون بصورة يختلط فيها الحنين بالأنين، وبشكل يثير الشجن فى نفس السامع. والواضح أن نجم «ساكنة» بزغ بعد وفاة محمد على باشا، خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر، وقد غنّت للعديد من الولاة الذين تبوأوا ملك مصر بعد محمد على حتى عصر إسماعيل، وفيه توفيت. كان «إسماعيل» شديد الولع بصوتها، ويشير «بركات» إلى أنه لقَّبها بـ«ساكنة هانم» فغضبت أميرات البيت العلوى، فعاندهن بأن منحها البكوية رسمياً ليصبح اسمها «ساكنة بك». والواضح أن الخديو إسماعيل كان شديد التقدير لموهبتها.

أصابت «ساكنة» ثروة كبيرة، وكانت أجرتها فى الليلة الواحدة 50 جنيهاً إسترلينياً. وربما تكون تجربتها فى اعتزال الفن والاتجاه إلى التدين من أولى التجارب التى وجدناها تتكرر بعد ذلك مع فنانات معاصرات، مثل الفنانة شادية، رحمها الله. لم يكن التدين لدى «ساكنة بك» طارئاً بل كان أصيلاً نتيجة حفظها للقرآن الكريم، وتجويدها العذب له منذ الصغر، كما ارتبط أيضاً بظروف وسياق عصرها الذى انتشرت فيه ظاهرة قارئات القرآن من السيدات. ولست بحاجة إلى تذكيرك بأن النشأة الشبيهة لأم كلثوم ولَّدت لديها حساً دينياً أصيلاً نبيلاً بان بصورة مبهرة فى العديد من القصائد الدينية التى أثرت بها المكتبة الغنائية العربية. وقد ظلت ظاهرة «قارئات القرآن» شائعة فى مصر إلى بداية السبعينات ثم أخذت فى الانقراض مع ظواهر عديدة تلاشت واضمحلت خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين.

كان اعتزال «ساكنة بك» للطرب الذى تسلطنت على عرشه خلال القرن التاسع عشر نهائياً، وأصبحت لا تشدو إلا بآيات القرآن الكريم فى مضيفتها التى كان يرتادها كبار شخصيات عصرها، وكذا من الفقراء والبسطاء الذين كانت تعطيهم بسخاء. ويستمتع الجميع بصوتها الندى وهى تقرأ آيات الذكر الحكيم فى ليالى رمضان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرآن رمضان بصوت «ساكنة بك» قرآن رمضان بصوت «ساكنة بك»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon