توقيت القاهرة المحلي 12:11:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أخلاق النكسة

  مصر اليوم -

أخلاق النكسة

بقلم: د. محمود خليل

عشيَّة 9 يونيو 1967 دخل المصريون حالة بؤس مستطير. يومها زحف المصريون بعد الخطاب الذى ألقاه «عبدالناصر» إلى الشوارع وأعلن فيه مسئوليته عما حدث وتنحِّيه عن الحكم، وطالبوه بالاستمرار فى موقعه، لكن النفس المصرية كانت تعانى من انكسار نفسى كبير. بعد أن راحت السكرة فى 9 و10 يونيو وجاءت الفكرة وقع الشعب المصرى فى فخ جلد الذات، واتهام النفس بعدم القدرة على الفعل، فعل أى شىء. مَن عاش هذه الفترة لا بد أنه سمع تلك الأمثلة التى كان يستخدمها الشعب فى تسفيه نفسه من فصيلة: «إحنا شعب زمارة تلمه وعصاية تجريه».. «إحنا شعب بيفطر فول ويتغدى كورة ويتعشى أم كلثوم». خلال هذه الفترة اشتهرت أغنية لفهد بلان يقول فيها: «أهل الهوى دايماً وأبداً مكتوب عليهم قلة الراحة»، أحبها المصريون ورددوها كثيراً واعتبروها وصفاً لأنفسهم كشعب «مكتوب عليه قلة الراحة».

أعصاب الناس كانت تهتز لأبسط الأشياء، يضحكون بهستيريا، ويبكون حتى الإغماء، ويتعاركون لأتفه الأسباب. كان البؤس يغلف حياة قطاع غالب من المصريين بخيوط تشبه خيوط العنكبوت. أسباب عديدة تراكمت وأدت إلى استغراق المصريين فى هذه الحالة، بعد هزيمة 1967. كان أخطرها أن الحرب أكلت الآلاف من شباب هذا الشعب، وأضاعت أرض سيناء، وضاعت فيها أموال البلد.. ناهيك عن «الاستيقاظ على كذبة كبرى». والكذبة كانت تتعلق بحجم قوتنا قياساً إلى قوة العدو. إعلام الستينات كان دائب الكذب على المصريين على هذا المستوى.

سادت مصر وقتها نوعية جديدة من الأخلاقيات أطلق عليها «أخلاق النكسة». ومَن عاصر الفترة التى أعقبت عام 1967، أو قرأ عن تفاصيل الحياة الاجتماعية فى فترة السنوات الست الفاصلة بين النكسة وحرب أكتوبر 1973 يستطيع أن يستوعب المقصود بهذه العبارة. وقتها ظهرت أنواع جديدة من الجرائم التى لم يعرفها المجتمع المصرى من قبل، ارتفعت معدلات الطلاق، أصبح الحلم الأكبر الذى يحرك الشباب هو حلم الهجرة إلى الخارج، بدأت ظاهرة السفر للخليج العربى للعمل تنمو وتترعرع. فى الشارع كان الناس يشتبكون مع بعضهم البعض لأتفه الأسباب، غلب عليهم السفه فى القول، والإهمال فى العمل، بالغوا فى تحقير شأن أنفسهم.

توالت السنون والمصريون غارقون فى هذه الأزمة، تسوء أخلاقهم يوماً بعد يوم، يعانون من بعضهم البعض أكثر مما يعانون من عدوهم الذى قذف بهم فى أتون المحنة، وعندما بلغت الأزمة ذروتها وقف الناس مع أنفسهم لحظة صدق تواجهوا فيها بصراحة، وأدركوا أن لا مخرج من هذه الأزمة إلا بفعل أى شىء. مَن يقرأ رواية «ثرثرة فوق النيل» يجد عبارة عبقرية جاءت على لسان أنيس زكى: «يا أى شىء افعل أى شىء قبل أن يقتلنا اللاشىء». فى هذه اللحظة بدأ المصريون التفكير فى مخرج، أدركوا أنهم مطالَبون بفعل أى شىء، قبل أن يقتلهم اللاشىء. هنالك اندفعوا إلى الشوارع مطالبين القيادة بالحرب، ودخلوا حرب أكتوبر المجيدة، وفيها تمكن الجندى المصرى من صُنع المعجزة والعبور من «اليأس إلى الرجاء».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أخلاق النكسة أخلاق النكسة



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:52 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية
  مصر اليوم - ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon