بقلم: د. محمود خليل
عذاب مستطير يعيش فيه المدنيون فى إدلب، قتل وسحق وهدم وتدمير، وتوقّف فى خدمات الوقود والمياه والطعام والشراب والرعاية الصحية، ومشردون لاجئون فى كل حدب وصوب يقضون شتاء قاسياً فى فضاء لا يرحم. كل الأطراف تزعم أنها تعمل من أجل سوريا ومن أجل حماية سوريا ومؤسساتها!. بشار الأسد رئيس الدولة يردد ذلك، ويزعم أنه يدافع عن الدولة، وليس عن كرسى الحكم. روسيا جاءت بعدتها وعتادها تحت ستار حماية النظام السورى فضربت فى كل الاتجاهات، وتسببت فى إراقة دم مدنى كثير، الجماعات المسلحة أيضاً لا تفرق رصاصاتها الطائشة بين محارب وشخص مدنى عادى يريد الحياة وليس له فى «التور ولا فى الطحين»، وهى جماعات تدعمها دول من خارج ومن داخل المنطقة لها مصالح معينة فى سوريا. هذه الجماعات لا تقل سفاهة عن النظام الحاكم فى سوريا حين تزعم أنها تريد تحرير سوريا من «بشار الأسد»، لأنها ببساطة تريد أن تجلس مكانه، وتعلن قيام الخلافة، تلك الفكرة التى غادرها التاريخ، ولا تتمتع بأى جدوى فى الواقع. سلطان تركيا هو الآخر دخل على الخط واختطف جزءاً من الكعكة السورية، وقواته تواصل دعم الجماعات والعمل بأيديها أيضاً لتوسيع رقعة قتل المدنيين فى سوريا. وعندك أيضاً ملالى إيران وأذرعهم فى المنطقة التى تواصل هواية القتل فى سوريا.
أطراف عدة تتصارع فى سوريا وبسطاء شعبها هم من يدفعون الثمن من دمهم ومن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. الجميع يكذب حين يزعم أنه يعمل من أجل سوريا، لأنه فى الحقيقة يعمل من أجل التهام كراسى، واغتصاب ثروات، وتحقيق مصالح محددة، ترتكز على فكرة «الجور على حقوق الشعوب». مشهد شبيه حدث فى أفغانستان عام 1979 وتواصل بعد ذلك لعدة سنوات، حين غزاها السوفيت، دعماً للنظام الحاكم هناك. تمكن الروس من السيطرة على مفاصل الدولة فى البداية وبعد ذلك وُوجهوا بمقاومة من جنرالات الحرب الأفغان مثل قلب الدين حكمتيار وأحمد مسعود شاه، ثم دخلت عدة دول على خط الأزمة، كان على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية، ثم كان الظهور الكبير للجماعات المتطرفة (الأفغان العرب) التى وجدت فى ساحة القتال هناك مرتعاً لها وفرصة للتدريب على العمليات الإرهابية. وفى ظل هذه الأجواء تكونت جماعة «القاعدة» تحت قيادة كل من أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى، وبمشاركة الكثير من الأسماء التى تورطت فى عمليات إرهابية فى الشرق الأوسط ثم هربت إلى أفغانستان. وكانت نتيجة الحرب قتل أكثر من مليون أفغانى (مدنى)، لم يكن أى منهم يريد الموت بل يرغب فى الحياة.
ذلك قدر الشعوب البائسة حين تعيش سنين طويلة من الغيبوبة تترك فيها الأمور تسير كما تسير، دون التفات لدورها فى حماية حاضرها ومستقبلها، والأخذ على يد من يسلبها حقوقها، أو يقدم مصلحته الذاتية على المصلحة الوطنية. مثل هذه الشعوب لا بد أن تستيقظ فى النهاية على كارثة.