بقلم: د. محمود خليل
ينصرف وصف «الخاصة» هنا إلى «المستشفيات» من ناحية و«المدارس» من ناحية أخرى. فكلاهما أصبح يرفع شعار «السعر قبل الخدمة». وكل منهما يطبق هذا الشعار بطريقته الخاصة، فالمستشفيات الخاصة رفضت الأسعار التى حددتها وزارة الصحة لعلاج مرضى فيروس كورونا. ومنذ عدة أسابيع بدأت العديد من المدارس الخاصة تطارد أولياء الأمور بدفع مصروفات العام الدراسى القادم 2020/2021، وهى التى جمعت مصروفات «الترم الثانى» الذى لم يستغرق سوى بضعة أسابيع ووضعتها فى جيبها وحققت منها نسبة ربح معتبرة نتيجة تعليق الدراسة ثم إنهاء العام الدراسى بالنسبة لسنوات النقل حتى الإعدادية ببحوث.
الأسعار التى اقترحتها وزارة الصحة لعلاج كورونا لم تعجب أصحاب المستشفيات الخاصة، فقرروا التوقف عن تقديم خدمات علاجية لمرضى الفيروس، متذرعين فى ذلك بأن السعر غير عادل. وللأشخاص الذين تعاملوا مع هذه المستشفيات أن يحكموا على مستوى الخدمة المقدمة فى بعض هذه المستشفيات فى مقابل الآلاف التى يحصلون عليها. لست أختلف مع من يقول إن هذه المستشفيات استثمارية بطبيعتها، ومن حقها أن تكسب، لكن ثمة أمرين لا بد من أخذهما أيضاً فى الاعتبار، الأول أن الفواتير التى تُلهب بها هذه المستشفيات ظهور المرضى لا بد أن تكون عادلة، وفى حالة شكوى المريض من سوء الخدمة لا بد أن تتعامل الجهات المعنية مع هذا الأمر بالجدية المطلوبة حتى تُلزم هذه المستشفيات بمستوى خدمة يليق بما تحدده من أسعار، فالسعر لا يحدَّد بناء على المزاج أو الكيف، بل طبقاً لمستوى خدمة ومعايير جودة، الأمر الثانى يتعلق بالأزمة التى يمر بها المصريون حالياً فى ظل جائحة كورونا، وجزء من مسئولية أى مؤسسة مراعاة هذه الظروف، وليس استغلال الأزمة. وعيب أن يؤدى المستثمر الذى يعمل فى مجال الطب بمنطق البقال الذى يستغل الظروف ويرفع سعر السلع التى يحتاج إليها المستهلك أو يحجبها عنه.
تعال بعد ذلك إلى المدارس، وستجد أنه ما من ولى أمر يدرس أولاده بإحدى المدارس «الخاصة» إلا وجاءته رسالة على الموبايل تطلب منه دفع المصروفات مقدماً. إنهم يريدون ضمان أن تكون الفلوس فى جيوبهم تحسباً لظروف العام الدراسى القادم، ولا يهمهم تقديم الخدمة من عدمه. العقل والمنطق يفرضان على هذه المدارس الانتظار لحين تحديد شكل الدراسة خلال العام القادم، لأن هناك كلاماً عن تقسيم التلاميذ إلى مجموعات تتوزع على أيام الأسبوع. وقد أعلن وزير التعليم الدكتور طارق شوقى أن الوزارة تدرس تقليص الأسبوع الدراسى إلى يومين فقط بدءاً من العام الدراسى المقبل، وهو ما يتطلب إعادة النظر فى المصروفات لتنخفض عما كانت عليه.
تشجيع الاستثمار فى الصحة والتعليم وغيرهما من المجالات مطلوب، لكن قواعد السوق لا تقول بأن المستثمر يعمل طبقاً لما يمليه عليه «كيفه أو مزاجه»، فيحتكر سلعة، أو يقدم خدمة رديئة مقابل سعر مرتفع، أو يحدد السعر بناء على ما يراه وما يمليه عليه خياله المتعطش إلى الربح. لا بد أن تقوم الحكومة بدورها فى ضبط الأوضاع، ولا بد أن يضع مجلس النواب ضمن جدول أعماله سن التشريعات التى تحمى المواطن من تغول رأس المال.