توقيت القاهرة المحلي 05:01:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رمضان «عاكف أفندى»

  مصر اليوم -

رمضان «عاكف أفندى»

بقلم: د. محمود خليل

لم يكن شهر رمضان بعيداً عن أقلام الروائيين الذى امتازوا بعمق الملاحظة للظواهر التى تشكل خريطة الحياة داخل بر مصر. مشاهد رمضان كانت حاضرة بقوة فى رواية «خان الخليلى» التى تقدم وصفاً لطقوس الحياة الرمضانية للمصريين خلال النصف الأول من القرن العشرين. تبدأ الصورة الرمضانية التى رسمها «نجيب محفوظ» بمشهد استعداد أسرة مصرية للشهر الكريم، فهو «شهر له حقوقه كما أن له واجباته» كما قالت الأم وهى تغازل زوجها وابنها الكبير لكى يوفرا لها مبلغاً تشترى به «احتياجات رمضان» من «النقل والكنافة والقطائف». ومثل كل الأسر المصرية كانت أسرة «عاكف أفندى» التى تدور حولها الرواية، تعانى من قلة المال المتوفر فى اليد، بسبب أحداث الحرب العالمية الثانية (1939-1945). فقد أدى شح الاستيراد وقلة الأعمال وتوقف المشروعات إلى غلاء مستطير ودخل قليل. لكن المصرى تعود على طقوس معينة خلال هذا الشهر وليس عنده أى نوع من التسامح فى إتيانها. فالعادة غلابة. ولا يوجد قانون فى حياة الإنسان أقوى من قانون العادة. عاكف أفندى وزوجته كان لديهما الاستعداد لتحمل ضيق الحال ومرارة الحرمان طيلة أشهر العام، إلا رمضان.

يقول «محفوظ»: «وجاء مساء الرؤية وانتظر الناس بعد الغروب يتساءلون، وعند العشى أضاءت مئذنة الحسين إيذاناً بشهود الرؤية. وقد اجتزأوا بالإضاءة عن إطلاق المدفع لظروف الطوارئ. وازّيّنت المئذنة بعقود المصابيح مرسلة على العالمين ضياءً لألاء، فطاف بالحى وما حوله جماعات مهللة هاتفة (صيام صيام كما أمر قاضى الإسلام) فقابلتها الغلمان بالهتاف وبنات بالزغاريد، وشاع السرور فى الحى كأنما حمله الهواء السارى». هذا المشهد يصف ليلة الرؤية فى مصر الأربعينات وانفعال الأهالى بها، وهو لا يختلف كثيراً عن مشاهد ليلة الرؤية التى حكاها «الجبرتى» فى مصر القرن الثامن عشر وما قبله. فإطلاق المدافع كان هو طقس الإعلان عن شهود الرؤية، لكنه تعطل فى الظرف الذى يحكى «محفوظ» عنه بسبب الحرب. كما أن هتاف «صيام صيام.. كما أمر قاضى الإسلام» هتاف موروث عن الأجداد، وفى حالة عدم ثبوت الهلال كانوا يرددون «فطار.. فطار». الأمر الوحيد الذى اختلف فى مشهد الرؤية الذى يحكيه نجيب محفوظ عن رمضان الأربعينات يتعلق بموكب رمضان الذى حكى «الجبرتى» أن «المحتسب» كان يتصدره ومن ورائه أرباب الحرف والصناعات وصبيانهم، وفرق العزف التى تحمل الطبول والزمور، وحملة الرايات الصوفية وغيرها. فقد بدأ هذا الطقس فى الاختفاء خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر، بعد التحديثات التى أدخلها محمد علِى علَى الواقع الاجتماعى المصرى، حيث أصبح الموكب يتشكل من طوابير من الجنود، ثم اختفى بعد ذلك تماماً ولم يبق منه إلا الذكرى الراقدة فوق سطور الكتب.

انتقلت الصورة الرمضانية التى قدمها «محفوظ» بعد ذلك إلى وصف نهار الموظف الصائم وتراخيه عن العمل ورغبته الملحة فى النوم، ومشقة ساعات الصباح الأولى عندما يفاجأ بنزول بلا دخان أو قهوة، ثم العودة والخلود إلى النوم إلى ما قبل الإفطار بساعة يهرع فيها الكبار إلى كتاب الله يتنسمون آياته، والشباب إلى التطلع إلى الحلم القادم بانطلاق أذان المغرب بصوت الشيخ على محمود أو الشيخ محمد رفعت. ثم ينتقل إلى مشاهد السهرات الرمضانية التى تنطلق بعد الفراغ من الإفطار وتمتد إلى ما قبل الفجر، حين يحين موعد السحور، وجلسات السمر على المقاهى والتسلية بقزقزة اللب والفستق -إذا تيسر- وتبادل النكات والتعليقات حول الحلال والحرام فى ليل رمضان. وغير ذلك من أحاديث قديمة متجددة فى حياة المصريين، أجاد «صاحب نوبل» فى وصفها وتبيان تفاصيلها برواء لا يعدله رواء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رمضان «عاكف أفندى» رمضان «عاكف أفندى»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon