بقلم: د. محمود خليل
المتحدث باسم الحكومة المصرية «نادر سعد» أكد أن الحياة ستعود إلى طبيعتها أول يونيو المقبل، مع تطبيق الضوابط اللازمة والإجراءات الاحترازية المطلوبة لمحاصرة انتشار فيروس كورونا. تحول متوقع مع تعاظم الخسائر الاقتصادية وتأكيد الخبراء والعديد من الجهات الطبية أن الفيروس يمكن أن يستمر معنا لشهور طوال. والحكومة المصرية ليست بدعاً فى ذلك، فكل حكومات العالم تنحو فى هذا الاتجاه، وقد بدأت العديد من الحكومات الأوروبية فى إعادة الأمور إلى سيرتها الأولى بشكل تدريجى. فجرح الاقتصاد أصبح أكثر وجعاً لدى البعض من جرح الفيروس. كل ما أخشاه فى هذا السياق أن تؤدى الحكومة بالطريقة ذاتها التى أدى بها الشعب أول ظهور فيروس كورونا بمصر.
فمع الإعلان عن أولى حالات الإصابة بالفيروس فى مصر المحروسة أقبل الكثيرون على شراء المنظفات والمطهرات، وطبقت العديد من الأسر إجراءات شديدة الصرامة فى تعقيم كل من يخرج من أفرادها وتطهيره بعد الوصول إلى المنزل، بالإضافة إلى التزام الكثيرين بعزل أنفسهم لمجرد عطسة تخرج من أنوفهم، كانوا ينظرون إليها كأمر طبيعى فى الظروف العادية، فإذا بها تثير هواجسهم بعد أحاديث الإعلام عن «كورونا» وكيفية انتشاره. حرصت أسر أخرى على قطع عادات تواصلها مع الغير، ولزمت منازلها وأغلقت أبوابها على نفسها. وأغلب من جنحوا إلى اتخاذ هذه الإجراءات سلقوا غيرهم من المهملين بألسنة حداد، واتهموهم بقلة الوعى والإهمال والتقصير وبأنهم مصدر من مصادر خطر الإصابة بالعدوى. ودارت الأيام ومرت الليالى وإذا بالإجراءات تخف، وبعد اهتمام بالغ أبداه الكثيرون بتطهير الأيادى والأقدام والأحذية والأرض وأكر الأبواب وخلافه، بدأت الفورة تخف، ومساحات التعقيم تقل وتتضاءل، إلى أن باتوا مثل من كانوا يتهمونهم بالأمس بقلة الوعى وانعدام المسئولية.
أخشى أن تبدأ الحكومة بعد إعادة الأمور إلى طبيعتها بنفس درجة السخونة التى أدى بها المواطن خلال الأيام الأولى لظهور «كورونا» بأرض المحروسة، فتتشدد فى إجراءات الكشف على المواطنين الوافدين إلى المؤسسات المختلفة التى سيتم فتحها تدريجياً، وكذا مراقبة مدى مراعاتهم لاشتراطات الوقاية التى سيتم وضعها لدخول المؤسسات، وبعد البداية الساخنة تأخذ الأمور فى التراخى، و«يرجع أبوك عند أخوك». لا بد من الانتباه إلى أن الشعب جزء من الحكومة والحكومة جزء من الشعب، ومن سيراقبون مراعاة الإجراءات الاحترازية بعد عودة الحياة إلى طبيعتها بالتدريج هم فى الأول والآخر أفراد من الشعب، ويجرى فى عروقهم كل ما يجرى فى دماء المصريين من سمات وخصال. كذلك لا بد أن تراعى الحكومة، قبل إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، أن توفر الأدوات اللازمة للحماية. هذه أيضاً مسألة لا فصال فيها ولا بد من أخذها فى الاعتبار. كل الدول التى رفعت شعار «كما كنت قبل كورونا» تقدم قدماً وتؤخر أخرى، لأنها تعلم تماماً أن هذه الخطوة تتطلب حسابات دقيقة وإعدادات وتجهيزات كاملة ووافية.. فمثل هذه الخطوات لا تحتمل المجازفة.