بقلم: د. محمود خليل
«معاوية» كان رجل سياسة يعرف كيف يورط عليّاً، ويفهم متى يلعب بورقة الشورى، ومتى يلقى بها فى أقرب سلة مهملات. «معاوية» هو الذى وضع القاعدة التى تذهب إلى أن «الشورى لعبة المعارضة.. والاستفراد بالحكم لعبة الخليفة» فى تاريخ الحكم الإسلامى، لذلك تجده قد ناور بورقة الشورى وحق المسلمين فى اختيار من يرضون لحكمهم فى صراعه مع على بن أبى طالب. يظهر ذلك فى تلك الرسالة التى بعث بها إلى علىّ.
يقول «ابن الأثير» فى تاريخه: «بعث معاوية إلى علىّ حبيب بن مسلمة الفهرى وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس، فدخلوا عليه، فحمد الله حبيبٌ وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن عثمان كان خليفة مهدياً يعمل بكتاب الله وينيب أمره إليه، فاستثقلتم حياته واستبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه، فادفع إلينا قتلة عثمان إن زعمت أنك لم تقتله نقتلهم به، ثم اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم، يولونه من أجمعوا عليه. فقال له علىّ: ما أنت لا أم لك والعزل وهذا الأمر؟ اسكت فإنك لست هناك ولا بأهل له».
كان على بن أبى طالب يؤدى كحاكم بيده أمر التولية والعزل، فى حين تعامل «معاوية» كرجل سياسة يفهم كيف يناور على خصمه، ويعرف التوقيت الأمثل الذى يمكنه فيه اللعب بورقة الشورى. الأحداث التى تلاحقت بعد الرسالة السابقة تؤكد نجاح «معاوية» الذى ما انفك يتحدث عن الشورى وحق المسلمين فى اختيار من يحكمهم، حتى إذا وصل إلى الحكم، نحّى هذه المسألة جانباً، وأخذ البيعة لولده «يزيد» من بعده والسيف على رقاب العباد، بلا شورى ولا يحزنون!. وقد أضاف يزيد بن معاوية مفهوماً بديلاً للشورى حين أصبح خليفة، وهو مفهوم «قدرية الحكم» وأن الوصول إلى الحكم يحدث بأقدار الله، وليس بإرادة البشر أو أفضلية بعضهم على بعض. ويمكننا أن نستدل على ذلك مما يحكيه «ابن كثير»، وهو من كبار مؤيدى نظرية «قدرية الحكم»، ويرى أن المُلك يصل إلى صاحبه بأمر الله، وينزع منه بأمر الله أيضاً. يقول صاحب «البداية والنهاية»: «وقيل إن يزيد لما رأى رأس الحسين، قال أتدرون من أين أُتى ابن فاطمة؟ وما الحامل له على ما فعل؟ وما الذى أوقعه فيما وقع فيه؟، قالوا: لا!، قال: يزعم أن أباه خير من أبى، وأمه فاطمة، بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خير من أمى، وجده رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خير من جدى، وأنه خير منى وأحق بهذا الأمر منى، فأما قوله أبوه خير من أبى فقد حاج أبى أباه إلى الله عز وجل، وعلم الناس أيهما حُكم له، وأما قوله أمه خير من أمى فلعمرى إن فاطمة بنت رسول الله خير من أمى، وأما قوله جده رسول الله خير من جدى، فلعمرى ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يرى أن لرسول الله فينا عدلاً ولا نداً، ولكنه إنما أتى من قلة فقهه، لم يقرأ: (قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء)».