بقلم: د. محمود خليل
الدكتور محمد مشالى، الملقب بـ«طبيب الغلابة» تحول إلى نجم من نجوم الإعلام والتواصل الاجتماعى. الرجل تبدو عليه أمارات الطيبة والإخلاص لما يؤمن به، والاحتفاء به يبدو أمراً طبيعياً بحكم النموذج الفريد الذى يقدمه. فمنذ أن قرأنا أو سمعنا عن حكايات الدكتور أنور المفتى وعطائه غير المحدود للمريض المصرى لم نسمع بتجارب شبيهة، حتى برز على الساحة نموذج الدكتور محمد مشالى. فسعر الكشف عنده لا يزيد على 10 جنيهات، وهو رقم زهيد للغاية قياساً إلى أسعار غيره من الأطباء، بمن فى ذلك الأطباء محدودو الشهرة أو الكفاءة. يكتفى «مشالى» بالكشف ووصف الدواء للغلبان، ثم يذهب المريض بعد ذلك إلى الصيدلية ويشتريه. من الحكايات التى كانت تروى عن الدكتور «المفتى» رحمه الله أنه كان يعيد ثمن «الفيزيتا» للمريض الذى يشعر أنه رقيق الحال، ويدفع من جيبه ثمن الدواء للمريض الذى يشعر أنه لا يملك ثمن العلاج. وقد كان الدكتور المفتى رحمه الله طبيباً شهيراً يعاود أكبر المسئولين داخل البلاد، لكنه كان يصر على مواصلة رسالته فى علاج الفقراء حتى ولو أتى ذلك عبر الإنفاق عليهم.
الدكتور محمد مشالى يتواضع فى الثمن الذى يتحصل عليه مقابل الكشف على المريض، وهو أمر يشهد على حسن خلقه وطيب معدنه، لكن علة المريض ليست فى التشخيص وفقط، بل تمتد إلى ثمن الدواء، وقد تكون المشكلة الأهون -بالنسبة لكثيرين- هى التشخيص ووصف العلاج، أما الأزمة الحقيقية فتظهر عند دفع ثمن العلاج، خصوصاً أن هذا الثمن يغلو يوماً بعد يوم، وهو شديد الحساسية لأى متغيرات تطرأ على الأسواق بصفة عامة. طبيب مثل الدكتور «مشالى» يفعل ما عليه، لكن ثمة أطرافاً أخرى لا بد أن تقوم بأدوار تتكامل مع دوره، لأن «طبيب الغلابة» ليس وحده الحل، وهناك أشياء أخرى لا تقل أهمية عن دقة التشخيص، مثل مصاريف التحاليل والأشعات و«مصاريف العلاج» وغير ذلك. وهى مصاريف يتواضع أمامها سعر الكشف لدى الطبيب مهما علا أو غلا. ولعلك تتفق معى أن التشخيصات العامة السريعة أحياناً ما يقوم بها الصيدلى بعد وصف الأعراض له، ما يعنى أن التشخيص فى الأمراض المعتادة غير مكلف، قد يقول قائل ولماذا لا يجتهد أهل الخير فيفعلون مثلما يفعل الدكتور «مشالى» ويعينون غيرهم على توفير الدواء؟. دعوة فى محلها بالطبع، لكن يبقى أن الاجتهادات الفردية قد تحل مشكلة فرد أو اثنين أو عشرة أو مائة، لكنها لا تحل مشكلة المجموع.
لقد أطلقت الحكومة أواخر العام الماضى مشروع التأمين الصحى الشامل، وهو مشروع يتكون من 6 مراحل، ينتهى آخرها فى عام 2032. والمفترض أن تنتهى المرحلة الأولى منه (تشمل 5 محافظات) أواخر العام الحالى، ومن الواجب أن تخضع لتقييم دقيق. فهذا التقييم سيمنحنا مؤشراً على المسارات الأكثر واقعية التى يجب أن تتخذها المراحل التالية، وسيحفظ كرامة المواطن وحقه فى العلاج، بعيداً عن تنازلات وعطايا الخيرين.. وأحاديث الغلابة والمساكين.