بقلم: د. محمود خليل
وضع حسن البنا قاعدة «الجماعة المنشفة» ثم سار «أداهم الإخوان» عليها من بعده. لم يكن «البنا» وأداهمه أكثر من منشفة فى يد السلطة التى صور له غروره أنه يتلاعب بها، فاستخدموه لبعض الوقت لتحقيق مآرب معينة ثم تخلصوا منه. ست رصاصات أُطلقت على «البنا» فى شارع الملكة «رمسيس حالياً» ترنح معها الجسد الأربعينى وسقط مضرجاً فى دمائه. يشيع بعض الإخوان -إمعاناً فى رسم صورة أسطورية لأدهمهم الكبير- أن «البنا»، الذى اخترقت جسده ست رصاصات، أخرج مسدسه وأطلق النار على قاتليه وطاردهم لعدة أمتار قبل أن يسقط. إنهم يتحدثون عن مسدس كان يحمله، وحامل المسدس إما قاتل أو مقتول. لقد أراد «البنا»، من خلال حشد السلاح، أن يأخذ خصومه بالسيف، فكانت النتيجة أن أُخذ به، ومن أخذ بالسيف أُخذ به. مات حسن البنا دون أن يعلم أحد حتى اللحظة من الذى قتله، لكن الحقيقة الكبرى تقول إن مدمن الألعاب الخطرة لا يأمن أن يلقى حتفه فى واحدة منها.
مات حسن البنا لكن «وهم السيادة بالدين»، الذى غذاه داخل نفوس أتباعه من «الأداهم»، ظل باقياً. لم يتوقف أحدهم ليفكر أو يناقش مع نفسه جدوى هذا الوهم، ليخلص إلى حقيقة أن الدين لله وليس مطية يمتطيها طلاب السلطة فى الدنيا، وأن ثمة طرقاً أخرى لنيل الشعبية قد تكون أصعب من طريق التجارة بالدين لكنها فى كل الأحوال أضمن وأكثر احتراماً لأدبيات السياسة وأخلاقيات الدين، وأن السيادة فى الدنيا ليس مدارها تفويل تانك الذات ببنزين العبادات والمبالغة فى أداء الشعائر الدينية والتمسك الساذج بأمور دينية شكلية، بل الأخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا. لقد شارك «أداهم الإخوان» فى حرب 1948 وعادوا مع الآخرين يجرجرون أذيال الخيبة والهزيمة، وبدلاً من الاعتراف بالعجز وإدراك الحقيقة الكبرى التى تقول بأنهم يعيشون خارج العصر الذى لا يعترف بالكم العددى الأدهمى قدر ما يعترف بالكيف، وأن هزيمتهم وغيرهم كانت هزيمة مجموعات متخلفة تؤدى بشكل متحفى أمام عصابات صهيوينة عصرية لا يعوزها مهارة التخطيط والأخذ بأسباب العلم ومنتجات التكنولوجيا. ليس من السهل على فاشل أو مهزوم أن يعترف -ولو بينه وبين نفسه- بالفشل والهزيمة، فقد علّم الإخوان الأداهم البحث عن أسباب من خارجهم ليعلقوا عليها إخفاقاتهم. فكرة «تآمر الغير» ظهرت فى كنف «الأدهمية الإخوانية»، ومن العجب أنها تسربت إلى غيرهم واعتمد عليها فى تبرير الهزيمة والفشل.
لم يفهم «البنا» وأتباعه من الأداهم أن السلطات المتنوعة التى تعاملوا معها (الملك - الإنجليز - الحكومات الديكتاتورية) لم تر فيهم أكثر من منشفة، أو «منديل كلينكس» بالتعبير المعاصر، تستخدمها لبعض الوقت ثم تلقى بها فى أقرب سلة مهملات. ومن المثير أن هذا النوع من التوظيف لـ«أداهم الإخوان» لم ينته بمقتل حسن البنا، فالأجيال المتعاقبة من السلطات والحكومات وظفت الجماعة بالطريقة نفسها. والحقيقة المفزعة تقول إن الإساءة إلى الدين وتلويث سمعة الإسلام كان النتيجة الأهم لممارسات الأدهمية الإخوانية.