بقلم: د. محمود خليل
منتصف شهر نوفمبر الماضى زار الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الولايات المتحدة الأمريكية، والتقى الرئيس ترامب. قبلها بنحو شهر كان «أردوغان» قد التقى نائب الرئيس الأمريكى «مايك بنس» فى المجمع الرئاسى بالعاصمة أنقرة. بعد لقاء «أردوغان» بـ«ترامب» منتصف نوفمبر 2019 بأسبوعين أعلنت كل من حكومة السراج فى ليبيا والحكومة التركية فى أنقرة أيضاً عن عقد اتفاقية أمنية وعسكرية بين البلدين. سارت الأمور بعد ذلك فى الطريق الذى تعرفه حتى دخلت الاتفاقية منذ يومين حيز التنفيذ الفعلى.
ليس من السهل على «أردوغان» أن يتحرك إلى ليبيا بهذه السهولة والأريحية دون التنسيق مع الولايات المتحدة، ومن المحتمل أن تكون لقاءاته مع «مايك بنس» و«ترامب» قبل الاتفاقية ببضعة أسابيع مجرد لقاءات تمهيدية يحصل خلالها على الموافقة الأمريكية على التدخل فى الشأن الليبى. ولا تنسَ أنه فى مقابل الحسم الذى تتعامل به روسيا مع الملف الليبى وحديث «أردوغان» فى تونس عن الدعم الروسى لـ«خليفة حفتر» بدا الموقف الأمريكى متميعاً إلى حد كبير، فلا أحد يستطيع أن يقرر على وجه الدقة هل تلعب أمريكا لحساب «حفتر» ومَن يدعمه أم لحساب السراج ومن وراءه؟
الولايات المتحدة الأمريكية تتحرك فى الملف الليبى بحسبة غير مفهومة. الخارجية الأمريكية تتحدث باستمرار عن وقف العمليات العسكرية فى ليبيا والعودة إلى مائدة المفاوضات، لكن فى المقابل قام «ترامب» فى أبريل الماضى بخطوة كانت مثار تعجب من مؤسسة «الخارجية» حين اتصل بالمشير خليفة حفتر وحيّا جهوده العسكرية فى مكافحة الإرهاب وحماية النفط الليبى!. لكن حالة الرخاوة التى يتعامل بها «ترامب» مع التحركات التركية فى ليبيا والشمال الأفريقى تؤشر إلى عودة إلى موقف الخارجية الأمريكية الداعم لحكومة السراج. لقد ذهب «ترامب» ثم عاد!.
الإدارة الأمريكية تعلم حساسية الموقف المصرى من الأحداث التى تشهدها ليبيا منذ عدة سنوات. فما يحدث فى ليبيا له صدى معتبر فى مصر التى تواجه حرباً شرسة ضد الإرهاب. وحالة الطراوة التى تتعامل بها أمريكا مع هذا الملف، سواء طبقاً لحسبة مصالح محددة أو تبعاً لبناء تحالف مضاد لروسيا، فى ضوء المنافسة التقليدية بين البلدين، أمر يجب ألا نمر عليه فى مصر مرور الكرام. وفى كل الأحوال يجب أن نستوعب أن المشهد يشتمل على مجموعة من الطامعين فى ثروة ليبيا التى يملكها شعبها وحده. فـ«أردوغان» القادم من أدغال تركيا طامع، و«ترامب» طامع و«بوتين» طامع، وأوروبا هى الأخرى طامعة. وعندما يتعدد «الطامعون» يكون من الطبيعى أن يبرز أمران، أولهما الاتفاق على فكرة «تقسيم الأنصبة»، وثانيهما البحث عن تحالف يمكن الاصطفاف وراءه ليتم الاقتسام معه.
يبقى أن تصعيد المشكلة إلى مستوى «حافة الهاوية» قد يكون مؤشراً إلى حلها بنزع فتيل الانفجار فى آخر لحظة، لكنه من ناحية أخرى قد يكون نذيراً بانفجارها. وتعدد الأطراف التى ظهرت على ساحة المشكلة الليبية حالياً يعقد حسبة أية دولة، وكان الله فى عون من يصنع القرار فى مثل هذه المواقف، وتقديرى أن الحساب والتحسب لأى خطوة هو الأجدى والأنفع فى مثل هذه الأحوال.