توقيت القاهرة المحلي 21:39:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الوسية.. والحالة الأدهمية

  مصر اليوم -

الوسية والحالة الأدهمية

بقلم: د. محمود خليل

نماذج عديدة تجدها لـ«الحالة الأدهمية» فى الجزء الأول من السيرة الذاتية للدكتور خليل حسن خليل المعنون بـ«الوسية» وتدور وقائعه فى عصر مصر ما قبل ثورة يوليو 1952. خرج بطل الرواية إلى العمل مضطراً فى وسية أحد الخواجات بعد أن استولى خواجة آخر على أرض أبيه مستغلاً حاجته إلى المال فأخذ يستدين منه حتى سقطت فى يد الأخير. مثّل «خليل» تجلياً من تجليات «أدهم المصرى» حين يحاول العيش بشرف، فيؤدى عمله بإخلاص، ويجتهد فيه قدر طاقته منتظراً المثوبة من الخواجة، لكن الأخير كان شحيحاً مقتراً، يعجبه شغل خليل، لكنه لا يعطيه إلا القليل ليقيم أوده ويظل حياً يسعى فى خدمته. لم يكن «خليل» استثناء فى ذلك، بل كان الخواجة يعامل كل مَن يعمل لديه فى المزرعة على هذا النحو. أبى الموظف خليل حسن خليل على نفسه أن يمد يده إلى مال الخواجة ليأخذ منه ما يعوض به حقه المسلوب، كان ضميره حياً يقظاً يرى أن ذلك ليس حلاً، بل الحل أن يطالب الخواجة بمنحه دخلاً يتناسب مع ما يقوم به من جهد وما يؤديه من أدوار.

خلافاً لخليل ظهرت نماذج أدهمية أخرى داخل المزرعة، كان أبرزها «حسين الباشكاتب» الذى دأب على نفاق الخواجة وإذلال نفسه أمامه. كان الخواجة يتعمد إهانته بالشتم والسب أمام الجميع، وأحياناً ما كان يضربه ضرباً مهيناً فيصفعه على وجهه وقفاه فيزداد الباشكاتب انسحاقاً أمامه. استغرب خليل من سلوكه وسأله ذات مرة لماذا يسمح للخواجة بأن يوجه إليه هذه الإهانات كلها؟. أجابه الباشكاتب بأنه يأخذ ثمن كل إهانة كاملاً، فإذا شتمه الباشكاتب مد يده وسرق من مخزن الغلال ما يبيعه للتجار، أما إذا مد يده عليه فذلك يوم السعد، لأنه يمد يده إلى مال الخواجة فيأخذ منه، ثم يسوى الحسابات بطريقته بحيث لا يظهر فيها أى سرقة. فهم خليل الدرس. فالباشكاتب أدهم كان يسرق حق الناس لحساب الخواجة، ثم يسرق الخواجة لحساب نفسه!.

نموذج آخر للأداء «الأدهمى» داخل الوظيفة تجده فى شخصية الشيخ سالم الذى صاحبه «خليل» طيلة عمله فى مزرعة الخواجة. كان «خليل» يستغرب من المحبة المشفوعة بالدموع التى يبديها الشيخ سالم للخواجة، ويستغرب أشد الاستغراب من تفانيه فى خدمته بثمن بخس قروش معدودات، حتى اكتشف الحقيقة ذات يوم وعلم أن الشيخ سالم يسرق الخواجة هو الآخر من خلال الغش فى عدد الأنفار الذين يعملون فى الأرض وأنشطة أخرى عديدة تقع فى دائرة مسئولياته، وأنه تمكن من شراء «طين» فى بلدته بما ادخره من سرقة مال الخواجة. اكتشف خليل حقيقة الشيخ سالم على يد خفير المزرعة الشيخ خطاب. وشخصية الأخير حدوتة فى ذاتها، فقد اكتشف خليل ذات يوم أنه لص كبير يسرق الغلال من مخزن المزرعة، تعجب وسأله: كيف تبرر لنفسك السرقة وأنت تصلى الفرض جماعة داخل المسجد.. كيف لم تنهَك صلاتك عن السرقة؟. رد عليه الخفير قائلاً: «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغى»، وأنا لا آتى الفحشاء ولا أشرب المنكر ولا أظلم بل أنا مظلوم كل الظلم.. القرآن لم يقل لنا إن «الصلاة تنهى عن سرقة الخواجة»!.

ذات يوم تمكَّن خليل من تحريض الأهالى ممن يعملون فى المزرعة على الذهاب إلى الخواجة والمطالبة بحقوقهم، فأدبهم الخواجة فى المركز حتى أحسن تأديبهم. بعد هذه الواقعة آوى خليل إلى عشة الخفير ودار بين الاثنين حوار حول ثورة الأهالى، فأخذ «خطاب» يسخر من هوجة الأهالى التى انتهت إلى لا شىء.. وأفهمه أن أولى خطوات سكة السلامة للعيش فى الوسية تتمثل فى: «ما تزعلش اللى فى إيدهم أكل عيشك» والثانية أن ينضم إلى «ركب الأحرار» ممن يسرقون الأهالى لحساب الخواجة ثم يسرقون الخواجة لحسابهم الخاص».. فأمثاله وأمثال الشيخ سالم هم الأحرار فى مجتمع العبيد!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوسية والحالة الأدهمية الوسية والحالة الأدهمية



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:14 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا
  مصر اليوم - محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:57 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

دليل بأهم الأشياء التي يجب توافرها داخل غرفة المعيشة

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

GMT 10:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز 5 ضحايا لهيمنة ميسي ورونالدو على الكرة الذهبية

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 10:39 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

أبوظبي وجهة مثالية لقضاء العطلة في موسم الشتاء الدافئ

GMT 03:57 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 منتخبات عربية في صدارة مجموعات تصفيات كأس العالم 2026
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon