توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحلم المقدس والشرط المقدس

  مصر اليوم -

الحلم المقدس والشرط المقدس

بقلم: د. محمود خليل

الصبر فى مواجهة عنت الحياة ومشكلاتها سمة أساسية من سمات «أدهم المصرى». يحكى نجيب محفوظ -فى الحكاية الأولى من أولاد حارتنا- أن «أدهم» لما طُرد من البيت الكبير عمل بائعاً سريحاً، وأخذ يعانى مما يعانيه أبناء هذه الفئة من شقاء السعى وتشقق الأقدام وتآكل المفاصل، ناهيك عن عنت مَن حوله فى «الفصال»، حتى الأطفال لم يرحموه. فعندما غلبه التعب واستلقى أسفل شجرة وراحت عيناه فى النوم، غافله مجموعة أطفال وانقضوا على عربة اليد التى يبيع عليها فقلبوها، فقام مفزوعاً وأخذ يسب ويلعن، ثم نظر فجأة إلى البيت الكبير وراح يقول بتأثر وانفعال: «لماذا كان غضبك كالنار تحرق بلا رحمة؟ لماذا كانت كبرياؤك أحب إليك من لحمك ودمك؟ وكيف تنعم بالحياة الرغيدة وأنت تعلم أننا نُداس بالأقدام كالحشرات؟ والعفو واللين والتسامح ما شأنها فى بيتك الكبير أيها الجبار!». ورغم هذه الثورة الجامحة على ساكن البيت الكبير سرعان ما ثاب «أدهم» إلى نفسه ورشده وأخذ يتذكر خطيئته ويقر بأن أباه عامله بالعدل، وأنه هو الذى قصر فى فهم حكمته حين اختاره -من بين إخوته- لإدارة الوقف، وحين قرر طرده من البيت الكبير.

مشهد «أدهم» وهو يسعى محزوناً مقهوراً خلف رزقه بعد طرده من جنته الأثيرة (البيت الكبير) لا يختلف عن الصورة التى رسمها «دى شابرول» -فى كتابه «وصف مصر»- للمصرى المنهك الذى يتوقف بقاؤه على قيد الحياة على عمله اليومى الدؤوب ولا يمنعه الإنهاك من مواصلة السعى بصبر كبير. والفلاح الذى يتحمّل النيران التى تصبها السماء الملتهبة لكى يبذر الأرض التى تمده بضرورات أسرته. ويستطرد «شابرول»، قائلاً: «سوف يدهش الأوروبى حين يرى السايس أو خادم الإصطبل أثناء تدريب المماليك العسكرية، وهو يجرى أمام حصان سيده، ويتابع حركاته لساعات طوال، دون أن تبدو عليه أقل علامات التبرم والضجر، فى الوقت الذى تلقى فيه الشمس الملتهبة على جسمه العارى شواظاً من رصاص».

وكما صبر «أدهم» نجيب محفوظ على العنت والشقاء الذى قابله وهو يعيش مع زوجته وذريته فى الخلاء عشماً فى العودة إلى البيت الكبير، أصبحت أسهل طريقة للسيطرة على عقل «أدهم المصرى» تتمثل فى مواساة نفسه المحرومة وجسده المنهك وعقله الساكن والمسكون بمعادلة القضاء والقدر بأمنية العودة إلى جنته المحببة. إن هذا هو المدخل الأكثر سهولة وإقناعاً وإشباعاً لحلم الحياة الرغدة التى ينعم فيها الإنسان دون شقاء أو تعب. وهو الحلم المقدس لأدهم المصرى.. الحلم الذى يحرّضه على الصبر ويحثه على المواصلة.

مشكلة «أدهم» أن أحداً لا يريد أن يعلمه أن الجنة تُشاد على الأرض إذا أحسن استغلالها واستعمارها، وأن خلق الجنة على هذا الكوكب، هو الطريق إلى جنة المأوى، إنه الشرط المقدس لتحقيق معنى «الخلافة على الأرض»، وهو أيضاً المقدمة الأساسية لتحقيق الحلم المقدس بالخلود إلى الراحة فى الجنة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحلم المقدس والشرط المقدس الحلم المقدس والشرط المقدس



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon