بقلم: د. محمود خليل
أحياناً ما يثير الشخص القلق لدى الناس من حيث أراد أن يطمئنهم. حدث ذلك فى المؤتمر الصحفى الذى نظمته وزيرة الصحة أمس الأول، لطمأنة الناس حول ما تناثر على مواقع التواصل الاجتماعى من شائعات حول «فيروس كورونا». فقد ذكرت الوزيرة أن الوزارة تعاملت مع 1443 حالة اشتباه، وبالتحليل لم يثبت وجود الفيروس إلا لدى شخص واحد، لكن دون وجود أعراض، وقد ثبتت سلبية الشخص نفسه عند إجراء تحليل جديد بعد 48 ساعة.
المؤشر الأساسى لكفاءة أى مؤتمر صحفى يعقده وزير مختص يتحدّد فى قدرته على إطفاء الشائعات ووقف دائرة تداول المعلومات غير الدقيقة على مواقع التواصل الاجتماعى، وفى الأحاديث اليومية للناس. عقب المؤتمر الصحفى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى وتكاثرت التدوينات والتعليقات حول بعض ما ذكرته وزيرة الصحة فى المؤتمر. وكان هناك تركيز على رقم الـ(1443 مشتبهاً). وسبب ذلك أن الوزيرة ألقته دون أى توضيحات لجنسيات هؤلاء، ولو كان بعضهم مصريين هل كانوا قادمين من دول معينة؟، ولماذا تم الاشتباه فى هؤلاء دون غيرهم؟، وهل لا يوجد مشتبه فيه من خارجهم، يعنى أشخاصاً آخرين خالطوهم؟. ثم حكاية الشخص الإيجابى الذى تحول بعد 48 ساعة إلى سلبى ثم تم عزله. هل العكس أيضاً صحيح، بمعنى أن يكون الفيروس كامناً، فيثبت التحليل سلبيته، لكن لو أجرى له تحليل بعد 48 ساعة قد يأتى إيجابياً لا سمح الله؟.
كان على الوزيرة أن تتفهّم أولاً الأسئلة التى دعت الناس إلى القلق والتساؤل، ثم تحاول الإجابة عنها. أول هذه الأسئلة يتعلق بما أعلنته بعض الدول مثل فرنسا عن وصول حالات لمواطنين قضوا بضعة أيام أو ساعات فى مصر خلال الفترة الأخيرة، وعند عودتهم اكتشفت إصابتهم بالفيروس، كان يجب على الوزيرة أن توضح بالبيانات الدقيقة خريطة تحركات هؤلاء إلى دول أخرى -غير مصر- من المحتمل أن يكونوا قد أصيبوا فيها. ربما ردّت الوزيرة أو ردّ البعض عنها بأن بيان منظمة الصحة العالمية حول هذا الموضوع لمّح إلى أن القادمين من مصر مروا على دول أخرى غيرها. وهذا الكلام مردود عليه بسؤال: ولماذا لم يتم اكتشاف هذه الحالات فى مصر؟ وأين إجراءات الحجر الصحى؟. وهل هناك علاقة بين هذه الحالات التى كشفت عنها دول أخرى ورقم الـ1443 مشتبهاً؟. كلام كثير متداول على مواقع التواصل يتهم «الصحة» وجهات الحجر الصحى بعدم امتلاك الأدوات التى تمكنها من الكشف عن الفيروس بسهولة. هذا الجانب كان من الضرورى أن تنشغل الوزيرة بتصحيحه خلال المؤتمر، لتفيد الرأى العام بما يطمئنه من معلومات حول توافر هذه الأدوات اللازمة فى المواجهة.
كان على وزيرة الصحة أن تتفهّم أمرين آخرين وهى تحاول تسكين قلق الناس: أولهما أن الناس تقرأ التقارير الإعلامية التى تتحدث حول ظهور الفيروس فى دول كثيرة قريبة منا، وأن الصين لم تعد الدولة الوحيدة المصدّرة له، بل هناك دول عديدة أخرى دخلت الدائرة، وبعض مواطنيها يأتون إلى مصر، كل هذه المعلومات تثير قلق الناس وتجعلهم نهباً للشائعات. أيضاً تابع الكثيرون التقارير التى أشارت إلى أن الصين كانت أول من نبّه إلى حالة لأحد مواطنيها كانت تحمل الفيروس أثناء وجودها فى مصر. كل هذه المعلومات كانت تفد إلى المواطن من الخارج وليس من وزارة الصحة المسئولة عنه، وهذا كفيل بإيجاد شلال من الشائعات. بصراحة الأداء غير مقنع!.