بقلم: د. محمود خليل
تمت الانتخابات الرئاسية فى الجزائر وفاز بها «عبدالمجيد تبون»، وحصل على ما يقرب من 58% من أصوات الناخبين. رسمياً أعلنت الجهات المسئولة فى الجزائر أن نسبة المشاركة فى الانتخابات بلغت 40% ممن لهم حق التصويت. وبهذه النتيجة يكون «تبون» قد حصل على «شرعية الصندوق»، لكنها وحدها لا تكفى. فمن يتابع المشهد فى الجزائر يدرك أن ثمة شرعية أخرى أصبح لزاماً عليه أن يسعى لتحصيلها، وهى «شرعية الشارع» أو الشرعية الشعبية، سمها ما شئت.
شرعية الشارع هى الهم الأكبر الذى يواجه أى رئيس جديد داخل أى دولة. فالتجربة العربية تقول إن شرعية الصندوق وحدها لم تعد تكفى، وإنها مجرد «هم أصغر» يلف الساعين إلى كراسى الرئاسة حتى يفوز أحدهم بها، ليواجه بعد ذلك «الهم الأكبر». الشارع الجزائرى منتفض منذ أكثر من عام، بعد أن أبى على نفسه أن تحكمه «صورة» لرئيس يمثل مجرد واجهة تتخفى وراءها مجموعة من المنتفعين والفاسدين الذين تسببوا فى إرباك المشهد الاقتصادى والسياسى فى الجزائر بصورة غير مسبوقة. عام كامل والشعب الجزائرى دائب على التظاهر، صابر على المطالبة بتغيير مجمل المشهد «البوتفليقى» والتخلص من كل رموز النظام السابق. يوم الخميس الماضى -الذى أجريت فيه الانتخابات الرئاسية- واصل قطاع من الجزائريين التظاهر، وعزف عن المشاركة، وظهرت بعض المقار الانتخابية خاوية على عروشها، ونقلت كاميرات القنوات الإخبارية مشاهد عديدة تؤكد عدم اكتراث المتظاهرين بالانتخابات. هذا الشارع سيواجهه «تبون» منذ اللحظة الأولى لتسلمه الحكم، وسيصبح مطالباً بتهدئته وتبريده سعياً للحصول على رضائه، وتمهيداً لتثبيت أقدامه فى حكم البلاد.
ولكى يواجه «تبون» التحدى ويحقق «شرعية الشارع» لا بد بداية أن يثبت للمتظاهرين الذين احتشدوا منذ إعلان فوزه بالرئاسة معلنين رفضهم له أنه ورغم انتمائه إلى النظام السابق، فإنه يملك تفكيراً مختلفاً ورؤية مخالفة، خصوصاً أنه مناضل سابق. عليه أن يتحرك بسرعة ويجرى محاكمات جادة لرموز الفساد فى عصر بوتفليقة. عليه أيضاً أن يسعى -وهو رجل اقتصاد ومالية- إلى تنشيط الاقتصاد الجزائرى وإحداث تغيير شامل فيما يتعلق بعدالة توزيع ثروات البلاد بحيث يستفيد منها المواطن. وإصرار المتظاهرين على مواصلة الاحتجاج -دون كلل أو ملل- لمدة عام يؤكد أن الشارع يرفض أى طرح تلفيقى يمكّن النظام القديم من خداع الشعب ليبقى فى سدة الحكم ولو من وراء حجاب. الشعب الجزائرى يريد صياغة عقد اجتماعى جديد بشروط واضحة تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم ولا تسمح بأى حال بعودة الأوضاع بالبلاد إلى ما كانت عليه فى عصر «بوتفليقة».
تلك هى التحديات التى تواجه عبدالمجيد تبون، الرئيس الجديد لدولة الجزائر، وعليه أن يواجهها بشجاعة منذ اللحظة الأولى إذا كان يريد الاستمرار، وعليه أن يستمع جيداً إلى مطالب الشارع الثائر ويحذر من أى محاولة للالتفاف عليها، ويستجيب لفكرة إعادة بناء الدولة من جديد بعيداً عن أى هواجس أو أوهام «بوتفليقية». ذلك إذا أراد أن يحصل على شرعية الشارع.